الجمعة، 19 مارس 2010

هممتُ بها..!



اشششششششش..
أنا أقوم بصناعة عالمي الآن , أو قد أكون أكمل صناعة عالم وجدت نفسي فجأة فيه , لا تركز بصرك في اللون الأسود المحيط بالغرفة , لكن دقق في تلك الابتسامات المعلقة بخيوط رقيقة جدا , تلك الابتسامات التي قضيت خمس سنوات وأنا أتكلف صناعتها , قد أكون جمعتها , بل أنا سرقتها .. بعضها من أيامي / من ذكرياتي / من أقلامي / من أحلامي لأعيد تكوينها وأبثها الجدران حولي , لربما وجدت فيها أنساً لوحدة ..
لازلت هنا , رحلتْ أنت وبقيتُ أنا , بقيت هنا في هذه الغرفة منذ ذلك الحين وأنا أتخبط , أبحث عن باب , عن بقايا شرفة , عن ثقب يحمل لي شمس وهواء , أدور وأدور , ليس ثمة باب ولا رائحة لنافذة , لم أكن أعتزم الهرب , لكنني كدت اختنق ثم اختنقت ثم أمعنت في الاختناق , وبعد أن اعتدت الأمر تجلَّت من حولي الأبواب و أُشرعت النوافذ , لكن بعد أن أصبحت العتمة في روحي ..!

هدى ..!
كفى ..
كان يرهقني الغياب ..
وهل تعلمت في غيابك لغة الإشارة ..؟!
ماذا..؟
فالتفت نحوه دون ثغر ..

|

لا أعلم ما معنى ذلك , هل هو حلم أم مجرد خيال سيء , قد تكون لعنة " لكني كففت عن الإيمان باللعنات " , لكنه يصر مؤخراً فيَّ كثيراً , ربما هو أثر أسود لعقوق , إنه العقوق فقط يعبث بحياتي , يشوَّه جمالها بمخالب مسمومة ..

أمي..!
أعلم أني مغفلة , أعلم أني حمقاء , أعلم أني أمارس الصراخ في وجهك بسبب كان ومن دون سبب صباح ومساء , أعلم أني لم أعد أطيق لغتك المعبأة خوف وقلق علي , ولم أعد أحتمل مباغتتك لي حتى لو كان للطمأنة , إصرارك على فضح أسراري لك وبسط أوراق أيامي بين يديك لترتاح منها روحك مزعج نوعاً ما .
أعلم أني أكبر وأكبر , وصراخي بات في الآونة الأخيرة أكثر , وأعلم أن قلبك في كل يوم هو أكبر , ومن بين الكون أجمع قلبك الوحيد الذي في غضبي وصراخي هو يصفح , ولضحكتي هو يحن ويطمح .
ربما أنا أعاقبك على إنجابك لي , فقط لأن حياتي ليست على ما يرام وأحلامي لم تعد تتنفس وطموحاتي تتساقط فوق رأسي وأنا بحاجة لشخص ألقي عليه اللوم وأثقل كتفيه بالعبء وكنتِ أمي..
ربما أنا فقط اسمح لقلبي أن يكون على طبيعته و سجيته معك , أتركه ليتنفس على حنانك , فلطالما اعتدت أن يكون صدري منفضة السجائر للجميع و سلة المهمَّلات من الأمور والكثير من غضبهم / حزنهم / تعبهم / وحدتهم / ضجيجهم وصمتهم / قربهم من بعدهم , لكنك الصدر الكبير الذي يحوي صدري والذي ألقي فيه كل ما سبق دون أن يزفر زفرة واحدة أو حتى يمن ويستكثر..أمي..
أو ربما كوني ابنتك وأنك أمي فهذا يمنحني الشعور الباقي من الطفولة , القليل من الدلال , حقاً هو ذا , فأنا كطفل أخذوا لعبته أو سرقوا فرحته وانكب على صدر أمه يصرخ ويضرب ويشتم , كيف أن تم كل ذلك على مرأى منها وهي لا تزال تبسم ..؟ , إنه لا يدرك أن اللعبة مسمومة والفرحة مجرد كذبة ستكشفها له الأيام , لا يعي أن الصدر الذي تلقى الضربات والشتائم هو ذاته الذي سيمسح عليه دموعه وعليه سيغفو , وأنا كذلك يا أمي , رأيتهم ينبشون في سري ليفضحوه , يفتشون في صدري / في قلبي / في حبي ليخنقوه , في كل أيامي ليسرقوا منها ضحكاتي , وعدت أصرخ وأشتم وأعلم أنها خيرة لكن يؤلمني أنه لم يعد بمقدوري أن امسح دموعي في أحضانك ومن ثم أغفو .. أمي..
أمي " أحبك كلي وكلي أحبك , لكن الأيام تربكني جداً وأحاول جاهدة أن أقف فيها بثباتك وقيمك , بشموخك وثقتك , أن أمارس في زحمة الحكي بلاغ صمتك , لكن في كل مرة أدرك أنك معجزة لا تتكرر وأن الحديث عنك مجرد فضفضة ..
أمي " قلبك أبيض وقلبي موغل في السواد , نبضك طاهر و نبضي مجرد خدعة , لمساتك حنان ولمساتي لك احتياج وحاجة , فهل يملك هذا القلب على هذا القلب المتعب بالصفح ..أمي..

.

يوقظني من لجة الهلوسة , أنين الأرجوحة , الصدأ هو من شق حلقها , يشبه صرير قلبي , وكأنه معلق في صدري يغطيه نفس الصدأ , طالت أيامي كثيراً مما يجعل أحلامي لا تحلق عالياً إنها فقط تحفر في الأرض , كما تحفر الآن قدمي , هل يعني ذا أني كبرت , شاخت روحي حتى أني بت لا أفرق بين الحلم والخيال وما هو واقع وحقيقة , أنفض عن رأسي أفكاري الغبية لتتساقط معها أوراق جوري , أرفع بصري لأجده يبتسم , يخرج وردة أخرى من خلفه كحركة لطالما أغرتني في الأفلام والمسلسلات لكنها هنا تبدو غبية , يعتصر قلبي ألم ما ..

انفض رأسي : عدت..؟
_من أجلك ..
_لم أطلب ذلك ..
_إذن من أجلي ..
_لا يهمني إذن ..
_هل أغواك الغياب ..؟!
_بل شوهني "

أسرع نحو الغرفة , هي هذه اللحظات فقط التي توقف فيها عقلي عن التفكير ورأسي عن الوسوسة , لطالما كرهت المفاجآت , إنها تكشف للجميع كيف أني عديمة الفائدة وتتركني للارتجال والحديث دون وعي مني وإدراك , تفسح مجال للجرح والخدش وأن أظهر مغفلة جداً , لا أعلم إن كان خلفي أم أنه عاود الغياب أخرى ورحل ..

اصطدم بأمي , وتمسكني بين يديها كلص هارب ..
: أمي ليس الآن ..
: أحمد زعلك ..
: لا
: وليه الدموع ..
: بي جوع ..
تبدأ في العويل والصراخ وتهرول ناحية المطبخ ككل أم في الخمسين من عمرها : بنتي تبكي من الجوع ..
وتغادر قبل أن أخبرها أنه جوع لاحتضانها , جوع للعودة جنين في أحشائها , رضيع في حجرها " بي جوع لأختفي " .
.
أصفع باب الغرفة في وجه الأفكار السوداء التي تسعى خلفي , أقفله مرة ومرتين , أسقط عند أقدامه عاجزة عن الوقوف أخرى , لن أبكي ..
سنتين تعني عمر , تعني طفل يتخطى السلم بحماس وضحكة , تعني مرحلة عمرية بأكملها , تعني ولادة حب ونضجه وهرمه وموته , وكذلك فعل غيابك بحبك وبقلبي ..
يطرق الباب يستأذن الدخول ..
لا أملك أن لا أفتح , فحبه في الرمق الأخير ..
: غرفتك كما تركتها وكذلك أود لو يكون قلبك ..
: هه
: لا يزال اللون الزهري يسكب فيك نبيذه ..
: ويترك أعماقي في إغماءة
: لا تزال حروفك مجنونة "
: إنها في حداد ..
يمسك بيدي ويشد عليها " سنتخطى الغياب أكيد , بعض وقت وسنضيء هذه السنتين ونلبسها حلة جديدة ..
أنفض يديه ..
: اللون الزهري على الجدران مجرد كذبة , الجدران لا تهتم بما تلبسه أصلاً , ولكن ألقِ نظرة على أثوابي , من حولها من الأحمر والأصفر و الأخضر إلى اثنين فقط الأسود والرمادي , من عبث بتلك الأغنيات وأبدلني " الدنيا حلوة وأحلى سنين " بـ " حاقات كتير في حياتنا تسببت في حيرتنا وأدينا عايشين راضيين / جايين ورايحين " , من خنق الدمية على سريري بقلم وورقة , و طرد الأحلام بجيش من الكوابيس , من دس الجليد في لحافي وغطى بالجمر منامي وجعلني بين زمهرير غياب وحريق شوق , من أبدلني بواحدة لا أعرفها ..
: هدى ..
: سنتين ..
: كانت محاولة لعودة أفضل ..
: محاولة فاشلة ..
: لكني عدت ..!
: ليس لي ..
: بل لي ولك / كنت أطمئن روحي أن أكبر هدية سأنالها هي غفرانك خاصة مقابل هدية بحجم علاج إدماني ..
: .....................
|
" أشتاق للأيام مرت مثلما مر السحاب / وأخاف من طول الجفاء أو يستطيب بنا الغياب " * نغمة ..
ألو ..
أهلين , عاش من سمع صوتك ..
أوف / أنتِ دايم كذا , وقتك غلط ..
ليه مشغولة ..
إيه / جالسه أكتب رواية ..
تكفين بس ..
: ليش يعني مايطلع مني ..
: نوعا ما ..
: عاد اليوم صحيت على قهوة تركية , وتابعت مسلسلين خليجي , كم فلم , وسمعت كمية لا بأس بها من الأغاني ومن الموسيقى , وعندي مكتب وكم رواية فوقه ..
" أقلك قفلي هالغباء اللي عندك وجهزي نفسك لأنك أكيد ناسية أن الجمعة عن سحورة اليوم ..
: طوووووووووووووط
.

هناك 4 تعليقات:

روان الزنيدي يقول...

.
.
كثيرًا ما أجدني أردد " لا أحد يستحق"
والأكثر أني أجدني أقولها ولا أؤمن بها !


ليتنا نملك القدرة على التخلص من قلوبنا في مواقف نختارها !


شكرًا روح

روح يقول...

الغالية جداُ / روان ..
القلب أكبر جاهل , فهو لايتعلم حتى من جراحه , ولربما كرر الخطأ ذاته وهو لايزال ينزف , هو أحمق بكل تأكيد ..

جداُ أحمق "

(:

أهلاً بك روان "

rainbow يقول...

يا لروعتك

زيكو يقول...

تعرفي دائما اقول اني اعشق الحوارات في القصص اكثر من عشقي للأحداث احب الحوارات القصيرة التي لها أثر كبير كلمة ورد غطاها ^_^
(تبدأ في العويل والصراخ وتهرول ناحية المطبخ ككل أم في الخمسين من عمرها : بنتي تبكي من الجوع ..)

يعجبني دمج الابتسامة داخل الاحداث
تعجبني السخرية بالرغم من ان الموقف حزين

نصيحة: لا تتابعي مسلسلات خليجية حتى لا تنحدر قدرتك على صياغة الحورات

استمري