الاثنين، 16 مايو 2011

تشويش !




أقلبْ عن العالم ..
ذلك العالم الذي استمعت إليه عمر كافي دون أن ينصت إلي ولو لمرة واحدة ..

اسكتْ !

لايزال هناك تشويش ..

أطفئ الشاشة .

تظهر صورتي الخافتة على الشاشة ويعود التشويش ..

انفض يدي بعد أن تأكدت أن مصدر التشويش هو رأسي .

وحيث أني لن أجد أصدق من مرآة "
سألتني "لماذا..؟"
أجبتني " ششششششــشششـ ...... "

 
اسحب من خلفي الخيبات كحبل ممدود معقود في أطرافه علب معدنية فارغة , مهما هربت من صوتها المزعج سيزيد إزعاجاً , والحبل معقود قريباً من عقلي حتى أكاد أجن , هكذا بررت للجميع سبب قص شعري دفعة واحدة .

"مجنونة ..شعرك حرام " ..

كانت هناك علبة معدنية واحدة بين خصلاته وبها بقايا عصير متخمر له رائحة كريهة ويتخذها النمل حديقة مجانية ..؟

"يبدو أنك تفقدين عقلك "

لم أفقده بعد وإلا لتوقف رأسي عن التشويش ..!

 
أفكر في أمي كثيراً هذه الأيام , قد تكون هي سبب " ششششــ" ! , هل يجب أن تكون على حق دائماً فقط لأنها أمي ..؟

لن تكون كذلك عندما تكون إمرأة أخرى تحضر إلي في الساعه الثانية من منتصف الليل كلص لكنه يقدم إلى يدي خاتم بعين زرقاء ورموش ذهبيه بعد أن عاش عمر على يديها ثم تقول لي " عن العين يابنتي " .

لكن عندما تكون هذه المرأة هي أم جافاها النوم وأثقل قدماها التفكير فترتكز على الأرض بشدة لتقدم لي " عن العين يابنتي " ستكون دائماً على حق .

لا أعلم لماذا كلما نظرت إلى عين الخاتم انتابتني رعشة جافة وكأن العدسة ستسحبني إلى عالم معتم لن أفهمه إلا بطريقة مقلوبة نكتب فيه رسائلنا من الأخير ..

ستكون فكرة أن الخاتم مزود بكاميرا مراقبة أكثر واقعية !

يعلو صوت " شششششششـــ ... "






هرمنا ..!!

هذه الكلمة تحتضن الكثير من الكلام , ليس لأنها مصير نخافه ولكن لأنها قيلت بصوت يائس بصدق ..

هكذا أعلم أنه لن يقرأ في حروفي ذلك الصوت المهزوز أو الصوت المتعرج والذي يصعد فجأة دون مقدمات ثم يهوي على وجهه دون مقدمات أيضاً , لن يقرأ ابتسامة السطر الأول وحزن الثاني وصدمة الثالث ولن يعرف أن ثمة سطر رابع تم شطبه .

لن يدرك من حكاياتي له كل ليلة أنني أستعجله قتلي ..

وأن حكاياتي تلك هي أنا بلغتي التي صنعتها والتي تبدأ بحرف الياء وتنتهي بالألف !

ويسألني ..؟
" كيف كنتِ تتمنين لقاؤنا يكون "
يرتفع التشويش ...

 
هكذا أعرف أننا هرمنا , عندما يغطي العقل كل لقاءاتنا ويحشر نفسه في كل جلساتنا هو من يتحدث وهو من ينصت ومن يكتب ومن يقرأ إلخ .., سنعرف كيف قد نكون هرمنا ..


فنطرق أبواب التغيير ولا يفتح لنا سوى الروتين .

ليدخل الصمت ..

كوب حليب دافئ ..

فرشاة ومعجون ..

أولاي بالتوت البري ..

تلاوة خاشعة ..

بطارية توشك على النفاد ..

رسالة أدب ..

و" اششششـــــ ... "

والسؤال الأهم ..

هل يعرف المجنون معنى الملل ؟

المجنون يعيش كل لحظاته وكأنها الأولى لأنه لاينعم بذاكرة صلبة تسجل مايمر به من أذى ..
المجنون يعيش السعادة لأنها تعني الرضا وهو لايعرف كيف يكون السخط .

لم نبلغ الحلم بعد .
ابسط يدك .. عندي لك حديث طويل ..
عن صوت يفوق اللغة .
عن كلمات خاصة جداً نلفها في منديل مزركشة أطرافه .. ثمين .
عن عمر يسير على مايرام .
سأحدثك كتابة .
.


يدك تبدو مجعدة أكثر من قبل وكأنك أدمنت عجن الحزن في غيابي يارفيق ..
ابسطها ودع الحزن يرتاح قليلاً ولندَّعِ الفرح أياماً معدودات .
ولن يزرع الفرح فينا غير الصوت .
لذلك سأخبئ صوتي لك في رواية وسيصلني صوتك بطعم الفستق .


.


.


تعرف !


تباً للغة ..
إنها عاجزة عن كتابة الصوت ..
عن طباعة المفردة كما في لحظة ولادتها بكل الصراخ المخبوء داخلها ..


عن التعب في كلمة "أووف " , عن الإنتظار في نقرات الأصابع على الطاولة , عن القلق في قرع الأرض بقدم مرعوبة , عن كتابة لحظة سعيدة بالغه تتعالى في شهقات , عن الأصوات الخام والمكررة والمعاد تدويرها , عن تلك الأصوات التي تقف اللغه أمامها عاجزة ..


عن صوتك ..


.


.


سأحدثك كتابة ..


جو هذه الليلة مخيف يركض خارج أسوارها النباح , وكأن العمر قط هارب من أمام سيارات تتخطى حاجز السرعة المسموح بها خارج النافذة , وتزيد الشاشة الزرقاء من التشويش على إحتضار الوقت عند خط البداية .
الصوت المتوحش يتحول في كل مرة عند منتصف الليل إلى كلب أليف يستدرج قبلة (اعتبرها اسطورة) , والشبكة المشغولة بإصطياد الأرواح وزجها في قبو لتتخمر ستغرق في يوم ما "العالم" (إنها رؤية) , الفراغ ذو الأنياب له صوت حسيس يخبو مع الأيام ليصبح لحظة عابرة (مقصلة) .


.


.


ولو كنت تعرف لحديثي صوت لن يكون سوى اللغط ..
ولو كان للقراءة صوت لن يكون غير الزمزمة ..
هكذا تتغير القنوات في رأسي حتى تصل إلى صوت إنطفاء

الاثنين، 28 مارس 2011

انسان / حيوان / جماد / بلاد .

عندما يأتي الصباح جميلاً كفاية ..

قرأتْ "جوجو" شوقيَّات وشرعت من بعده في كتابة الشعر "ستكون هذه أحلام طفولية لم تنضج بعد " وتظن أنه أمر مفتوح وأنها ستتمكن بمجرد حفظ الديوان أن تكتب مثله , تصنع من كل قصيدة أجنحة تطير بها إلي والقضية أن كل الأجنحة تتشابه مع إختلاف ألوان الكتابة , ولم يحدث على مر التاريخ أن طبع أحدهم ديوان كامل في يوم وليلة سوى " جوجو " وبدأ في اليوم التالي بمحاولات التصميم والولوج للفاشن من أوسع أبوابه وبسؤال بسيط على جنب " خالة كيف ترسمين الخصر كذا ..؟"

" خالة إذا كبرتي إش بتصيرين ..؟"
( أبغى أصير أم ) .
أُ مْ = ضمة + سكون
وليس كل من أنجب حقق هذه المعادلة العظيمة , فكل معادلة نسعى لحلها يجب أن نعرف طرفاً منها .
ولا أعلم لمَ يحشر الرياضيات نفسه في كل شيء , ويفسد علي حياتي ابتداءاً بـ قياس المسافات وانتهاءاً بـ (فاي) .

"وأنتِ ..؟"
أبغى أصير معلمة رياضيات علشان أحل كل المعادلات ..

يانهار مش فايت !

كيف لطفل سمع الكثير عن الرعب الساكن حضن الرياضيات والكارثة التي تضمها الأرقام أن يكون مولع بها بالشكل الذي يستعدي ولي أمره اليوم التالي , وتعزم أختي أمرها وهي على جمر "بنتي وأعرفها" ويكون الحدث الجلل أنها حلَّت جميع الأسئلة والتمارين المرافقة لكل منهج الرياضيات مما زاد من حنق المعلمة التي توقفت عن حل السؤال الأول من التمارين متشككه لم تصل للإجابة بعد ..
هكذا هو وطني يعاقب المبدع على ذكائه ويطالب بالتسوية في القدرات الشخصية ليستوي الجميع في الغباء , أحترم الخصوصية الفردية ولم أقصد بالغباء هنا الجينات الوراثية لكن عندما يدرس الغباء "يسرح ويمرح" .
تعود أختي خائبة تماماً من أن تجد فرصة مناسبة لتصبح "جوجو" أفضل .

كيف ستكون خيبتك ياجوجو عندما تصبحين إمرأة ؟
وأنا أتذكر حديثك في سنتك الدراسية الأولى بألم " كيف أنا درست هناك سنة أولى وأجي هنا كمان أدرس سنة أولى , أنا المفروض أصير ثاني بس يقولون لأمي أنه عمري لسا سبع سنوات أو أستنى سنة بعدين أدرس ثاني ..؟ "
الجنسية الكندية لم يصلها خبر وإلا لقتلت نفسها من شدة الحنق .

حبيبتي ..
أعلم تماماً مزاجك العكر وطبعك العنيد فكل الحياة هنا أضيق مما يجب , والعقل هنا صغير لا يناسب طفولتك , وكل المعلمات الغاضبات منك لم يحصل لواحدة منهن أن قرأت موسوعة الحيوانات الثدية وأنهت موسوعة الطيور ولم يستهويها علم النبات لأنه جامد لايحمل إختلاف وأن كل النباتات غبية جداً ..
لم تبحث في المكتبة عن أحمد شوقي وتعود به لأن كتاب المحفوظات حمل قصيدة عن اللغة له , لم يحفظن شوقيَّات ولا طبعن ديوان وصممن في اليوم التالي فستان في نفس الوقت الذي كتبوا بجميع الحروف من الألف إلى الياء في أوراق بيضاء مرقمة ..
انسان / حيوان / جماد / نبات / بلاد ..

تلك الصبيَّة التي تناديها أمها كل مرة باسمي .. وتعقَّب "يؤ دائماً ما أخطئ " .

نانا الجميلة ..
أتمنى أن تكوني أفضل مني , ويكون غدك رحب فسيح كسحابة ترغب في الوصول فتصل , وأن تسارع الحياة من أجلك حتى لايتوقف قلبك لثقل في خطواتها وينفجر , ويبقى البحر لجانبك والأرض الطيبة خالية من تلك الأشجار التي ترينها مزعجة فمن غير الأشجار ستسكن الطيور العشب ثم يتسنى لك اللعب معها والطيران ..
في ميلادك الميمون أدعو الله أن يحقق أمنياتك ويبقي على واحدة فلا أريد أن نرى القمر في يوم ما بأشعة بنفسجية اللون ..

التوقيع :
انسان .

أنا يالله ..

يالله ..
الحديث إليك ضيَّق ولا يفسح ..

الحديث عنك رحب كفضاء ..
والأنس بقربك كلوحة فنيَّة بسيطة ومتقنة , غير أنه فاتني تعلم هذا الإتقان ..

منذ وقت يالله وأنا أنتظر لمسة حانية من فيض رحمتك , تلك اللمسة أريدها بشدَّة وأجهل الطريقة إليها , أن تنظر إلي برحمة وأنت فاعل وأعرف أني من يشيح بوجهه "وأخجل يالله" , أتخبط وأدور حولي حتى أسقط في الخوف العميق ولا زلت كل يوم أسقط ولم أصل حد القاع .

ضيَّقاً حرجاً .. هكذا أنا منذ وقت طويل , لم أجد متسع من الفراغ , كل ما بداخلي حجارة , تهوي بي إلى الجحيم , وكل يوم أعدُّ حبَّات الإيمان الباقية في جوفي , جوفي الخاوي من القرآن ولا أجد سوى القليل الذي لن يبلغني الضفة الأخرى دون غرق ويعصرني الجوع ويجففني العطش ..

الأمواج عاتية والزورق من قش والروح من خيوط معقدة , وكوني من ثقوب فلن أصلح لشيء , ولن يعبرني سوى الماء المالح الذي سيسبب لي الصدأ , ولا أبكي ..

كأنما ماتت الخشية أو رحل الخشوع , كأنما أصبحت المساجد والتلاوات والصلوات خالية من الروحانية , كأنما الملائكة غاضبة هاربة والشياطين تعيث في الأرواح فساداً , أو أنا من مات وأصبحت مجرد دمية خالية تميل بها الرياح , دمية قلبها اسفنجة ويداها من ورق وقدماها من حديد , كورق مهم وغير صالح بعد للإستخدام ..

أصلي أنا يالله لكن لا أصلي كما يجب أو كما أرغب أو كما يصلي أبي , فقط كحركات من غير سكنات "ركوع / سجود / تسليم " وينتهي الأمر , أتفرغ بعدها للفراغ العاتي الذي ينتشل إيماني من القاع , أنا كذلك بإيمان ضعيف أقبض عليه كجمرة لأطفئها , ودائماً ما أُظْلِم .

لم أشعل حروبي مع البشر قط وأشعلتها معك , ولا أدري أهو دليل إيمان أو كفر , لكنني أعلم يقيناً "ورحمتي وسعت كل شيء " وأؤمن " الرحمن الرحيم " , أعرف كلياً بـ"من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً .." وأحفظ القليل بقلب كان منيب , ويمنيني "التوبة تجب ماقبلها " , وأقف للفرجة على الجموع تصلي وتبكي وتخشع وأنا كخشبة يابسة هشَّة , لا تبكي ..

يغريني الفجر في ساحات الحرم ليس للرحمة الموزعة هناك ولا الخلوة الروحية , لا لصوت القارئ السكينة ولا للأيات ولكنها العصافير عندما تسبح , فأعرف أن بي بقعة من النفاق تمددت حتى أعتمتْ كلياً ولم يعد " الصلاة على الأموات والطفل يرحمكم الله " تشع في روحها فجأة ولن أبكي .

أعرف أني تهت يالله , فساعدني لأجدك , لأتقرب إليك بعيداً عنهم , من دون وصاياهم ولا أوامرهم , دعهم يتركوني في شأني لأعبدك بروحي قبل الجسد , لم أعد أملك الكثير من التحمل لأستمع لنصائحهم المحفوظة ولا تجاربهم الواهنة , فهم بعيد بعيد عني , في صناديق معلبة بأفكار محفوظة ومدروسة , وأنا أريد أن تموت اللغة بيني وبينك وأدعوك بالإشارة .. وأبكي .

يارب .. أنت عارف .
تعرف كيف عاشت النطفة وكيف في صدري مضغة وكيف في جسدي ماتت , والتسبيح والإستغفار والأذكار محاولات إنعاش لم تصنع حياة , و الروح عالقة في شكوكها وأوهامها , في غضبها منك تبكي كطفل لم يفهم القدر بعد , وسؤالها الملح "لماذا أنا ..؟" , سامحني يالله "طفلة أنا لم أتعلم الأدب بعد " .
وسأرضى يارب , فقط ساعدني أن أرضى .


أحبك ,



لنتحدث عن الذنوب قليلاً ..

هل سأكون سيئه عندما أقول أني أحبها , ذنوبي التي لم تتحول إلى ران بعد , الذنوب الحمَّى الطفيفة والتي تجعل قلبي يتعرق ويغسل عن وجهه ملامح التعب , تلك الذنوب التي تكبر في دماغي وأن ربي اختارني للإبتلاء , لأكون تحت امتحان هل أكفر أم أشكر , لازلت في تلك القائمة ولم أصل بعد للشكر العميق على المصيبة ولم أصل حد اللطم .

لكنني في تحسن وكأن قلبي بدأ يتفهم عقليتي المريضه , عقلي الذي يجر قلبي للمهالك وليس العكس , في طريق تربية صارمة منه ولإقامة تجربة ستكون الأولى من نوعها "كيف نحول مضغة إلى حجر " , فلا تجد فتنة إلا وأقحمت قلبي فيها ولا فجوة ضيقة إلا وحشرت قلبي فيها وفي كل مرة يثبت لي قلبي أنه قادر على تجاوز الأزمات والعودة سريعاً لطبيعته الأولى " الصفح والإخلاص " , إنه طيَّب بشكل مزري وباعث على الملل , هل أقول لك أني " غسلت يدي منه " , وأنه في كل مرة يعود ليبتسم لتلك الشفاه التي نهشته أشعر في داخلي باليأس , قلب مرَّوع فعلاً ..
يعرف كيف يغتسل من أدرانه كل مرة ويكبَّر لصلاة الرجاء , بطعم خوف يعرف السكينة والأمن , في رحاب فسيحة طاهرة يسجد ويركع , لكنه لم يعد يخاف الله ذلك الخوف المفزع ولكن خوف المحب العارف بحجم رحمة الله وسعة مغفرته ..

تعرف أن البعض يظن بأن هذا إعتراف خطير ومربك وأن بحوزتي من الكوارث الطبيعية ما يدفع للتقصي والبحث , وأن الذنوب الدافعة لهذا القول كبيرة جداً وستكون بالتالي أكبر من ذنوبهم التي لم تدفعهم بعد للإعتراف , وينسى الجميع أن القلوب مقامات ..

وملخص الحال " الحمدلله " .

إلخ ...

إلى الأخير .
ومن الأخير ..
أيها العالم الصفري كنقطة في نهاية كل الكلام , "stop" , يجب أن تتوقف عن الدوران , يجب أن تموت , يجب أن تعود حيث كنت أسفل سافلين , وتنتهي كمرحلة من مراحل العمر , كماضي لايعود مهما تذكرناه , كحبيب مات , مثل كلمة "انتهى " عندما نعنيها ..
يجب أن تسكت كلياً عن الكلام , فصوتك نشاز وحروفك مبللة بالخوف والرهبة , معانيك كلها بائسة وساديَّة في الوقت ذاته , وكل مايدور في عقلك هو السوء , وأنا متعبة , والصبر في صدري موجوع يئن , واللوحات في رأسي بذات اللون لذات المعنى , وبعدما ظننت أن الملل صنيعة من حولي , وجدت الملل من معالم وجهي في عزلتي , كغرفة ضيقة مهما تعددت الأبواب والنوافذ ستضل كذلك ..

اليوم صنعت الفصام في فكرة داخل رأسي وغداً ستجعله واقعي , وأنا لا أملك أية أمنية ولا فتات حلم , مولودة من حجر , وكل ما أريده أن لا أفقد عقلي , خذ كل شيء ودعني أفكر , دعني اصنع عالم من خيال تعيش فيه "أنا" حيث الناس طيبون للغاية والأمهات مازلن يحببن أطفالهن , والجدات يمارسن التطريز وهن يفكرن في أصل الحكاية "تلك التي ستأتي لزاماً قبل النوم " , عن الآباء لانراهم كثيراً لكننا نشعر بحبهم كل لحظة , عن أرض لاتزال مخضرة والمطر فيها خير وبركة , عن أشياء مثل الزينة في السقف تدور وتصدر أصواتها الناعمة دون توقف فقط لتجعلك تحلم دون خوف ..
عالم بسيط جداً في التركيب عميق في التكوين , تكون الناس فيه من أسماء ومشاعر لا يوزرات ومظاهر , نكون فيه أحلام تسارع الزمن لتتحقق وهي سعيدة أنها تكبر لأنها لم تدرك بعد أنها ستكون خاتمة ..


وينتهي الخيال ..
وأتوجع أكثر ..
فقط لو أني لم أحلم , فقط لو أني لم أترك العنان لرأسي فيفكر , فقط لو بقيت كما بقي الجميع بنفس الأفكار الموروثة , بنفس الأحلام الجاهزة , دون المزيد من الخيبات , هكذا كما يطلب مني الجميع أن أكون , لو بقيت كذلك لما أصبحت موجوعة الآن ..
ولأعلن مصنع الخيبة إفلاسه منذ أعوام .
.
.
عابر سبيل ..
"طلع حرامي" .
تعرف كيف أصبحت الآن ..
كغريب ..
يبعث وجوده بعد مائة عام على الريبة .
مثل مساء مهما يكن طيَّب القلب لن يأتي سوى حالك ..
موجوعة اليوم أكثر من قبل ..
وجاء الوجع كختام , كمرض لايرجى برؤه ..
كشيء ممتد حدود النهاية ..
كروح مجعَّدة حد الاختناق ستزهق..
كجسد يتهادى على حبل قاطع يشرف على جهنم .
كوجه ضيًّع الملامح ..
فلم يعد يستطيع البكاء .
ككل الأشياء التي تأتي جميلة لكن ناقصة , والنقص كهاوية يسحب ماحوله ليتمدد , وكل ماكنت أحكيه عن العزيمة وعن البقاء للأقوى وعن الأيام كيف ستتفتح , عن العمر كيف في يوم ما سيزهر وكيف ستكون الأحلام حق مشاع للجميع والكون سيصبح أفضل , عن ثقب الأوزون الذي هو مجرد نجمة سقطت أو شهاب حاول الإنطلاق وأن هذا الثقب سيحمل الحياة الأجمل , فربما فتح الكون لنا على شمس أكثر دفئاً وسماء أكثر صفاءاً , كان كله مجرد كذبة , " فلا تعد لتصديقي تارة أخرى " ..


هيا ..
لنخوض في حديث غيره ..
لنتحدث عن القيامة .
عن أشراط الساعة الكبرى ..
عن الكون الذي يتداعى والخرائط التي ملَّت ذاتها ..
عن الماء كيف يحتضن النار بكل شوق ولاتنطفئ ..
عن تلك اللحظة الخاتمة .
عنها تتقدم ونحن نتحدث عن الثورات والمظاهرات والكرامة الانسانية ولم ندركها بعد ..
ولا أعلم لماذا الآن ينتزعني اليأس ..
وأتذكر صديقتي وهي تحدثنا , كان حديث بسيط لم يتجاوز أسطر " أمي من فترة تشتكي من سخونة مفاجئة , كل اللي قلته لها يمكن تكون أعراض سن اليأس لتنفجر باكية (يأس وأنا باقي ماعشت ) " ..
بسيطة .. كلنا يعيش سن اليأس .
والمشكلة في شحَّ البكاء ..
.
.
حياة الماء , لا لون لا طعم لا رائحة , ومهما تنوعت مصادره لايكون سوى الماء "H2O" ولا يأتي سوى بهذه الصيغه , تحت كل الظروف يكون ماء , ولا أظنه في يوم يفكر تغيير نكهته , ولايزال أهم مكونات الحياة .
.
لا زلت ألقي الأكاذيب كعادتي , أختلق الأعذار لفساد الحياة , لكن لاعذر اليوم كلها تأتي متأخرة وواهنة , كلها تكون كماء لا للسباحة ولكن للغرق , افتح بعدها الماء وانزوي تحته وأسأل كيف يمكن يكون طعم الغرق .
كيف يداهمك الموت دون أن يلقي التحية , كيف تدخل في كابوس دفعة واحدة دون حتى أن تفكر متى ستفيق , كيف يكون طعم الموت , كيف يكون العمر فارغ منك , كيف تأتي النهايات فجأة وأنت لم تخض غمار الحياة بعد .
وستعرف طعم الغرق بعد أول شهيق تعبئ به صدرك حال نجاتك .
مابال من ينتقل من غرق لغرق .
لقد ذقت طعم الماء من قبل , مابال الكهرباء كيف سيكون طعمها , أعرف فقط أنه سيكون لاذع في القلب , إذن مابال السقوط من أعلى هل سيبدو طعمه بنكهة الهواء أم بنكهة التراب , هل الحبل حول العنق سيكون بطعم الغصة , كل ذلك معروف طعمه وقليل منا يعرف طعم الحياة ..
.
.
فقط "أُش" ..
هنا شخص يريد أن يموت في هدوء من دون ألم .
من غير آه ..
فليحترم أحدكم رغبته , وليختار وروده بعناية , أريدها من غير شوك ..
ولتفرحوا له لأنه حقق في موته مالم يحققه في حياته ..


.

وللعالم الصفري "Stop" .