السبت، 12 ديسمبر 2009

أزمة منتصف العمر / الحديدة *






أزمة منتصف العمر .."الحديدة *
لا أعلم مدى صحة العبارة في العنوان لا من قريب ولا من بعيد ولا علاقتها بالنساء أو الرجال أو أي أحد بصفة عامة , لكن ما أنا متأكدة وواثقة منه تمام الثقة أنها الحالة التي يمر بها جهازي الكمبيوتر والتي تحب مناداته أمي بـ" الحديدة ..


سأتحدث قبلاً عن اسم الدلع له ومتى أطلقته أمي كرصاصة الشقاء في وسط دماغه وألصقته كعار على جبينه حتى عُرف به بين العامة وتسرب إلى كل أفراد المجتمع وعاث حتى بعقليات البراءة بـ" الحديدة .
كان ذلك في عامه الأول " أتذكر ذلك بالأحداث وتحديداً في حفلة عيد ميلاده , بعد أن عملت له فورمات من الآخر وتدشين برامج وملحقات جديدة علي وعليه فيه , كانت تغمرنا فرحة على بؤس خفيف إبان الفورمات وحداء على ما ضاع من صور ورموز وسخافة كتابية هنا وهناك , كيف تحسسته بعد غيابه ليوم واحد فقط وكأنه غاب عني لسنه واحتضنته كوليد يخطو أولى خطواته يمشي ويتعثر وقبل أن يقع تحتضنه أمه بحب وفرح , كنت فقط أرفع الغطاء واضغط زر تشغيل وامسح في الشاشة بالمناديل المخصصة لذلك والتي لم استخدمها قط لنظارتي ثم أعود للأزرار وأتحسسها وفي داخلي ابتسامة قد البحر , ثم أعود لسطح المكتب بابتسامه , وللمستندات بابتسامة , للبرامج برنامج ’ برنامج بابتسامه , وأفيض عليه بالخيرات وأنهال عليه بالإكسسوارات والستكرات وكل ماله علاقة بالكمبيوتر من قريب وبعيد أحضرته له بين يديه , حتى كبر واشتد عوده ونشأت بيننا علاقة كلها مودة ورحمة , حياة من التفاهم والاستقرار , بين مد وجزر " كانت أيام ..


ولا تحتاجني أمي ولكنها تبحث عني كما تفعل دوماً وكأني طفل في الثانية من عمره يجب أن يبقى حبيس نظر أبويه حتى لا يدفعه الفضول للعقبات وما لا يحمد منتهاه , وفي كل مرة أخلو فيها معه تندفع كالإعصار نحوي وتمارس المسرحيات بشتى أنواعها لتبتدع فكرة وسبب لمناداتها لي " مرة اشربي الشاي / مرة رتبي المنزل ‘ والخادمة ‘ " وانتي اش فايدتك في الحياة " حتى تأكدت أني إنما ولدت بديلة لخادمة في حالة حضورها أو غيابها , حتى أدمنت السهر علَّة يشفي شغفي بالقراءة والمتابعة وحتى لو فقط مجالسته دون إزعاج أو إحساس بتأنيب ضمير فاجر , ويوماً عن يوم يزداد حنق أمي على الشاشة والكيبورد والفارة , وتبدأ فيها سيل من الشتم واللعن المبطن والظاهر والدعاء بالحرق والكسر والماحي وتتوعده بالتهشيم وبإشباعه كوب ماء أو حتى صب العصير فوق رأسه ..


" هل هي تغار ..!!
" أنفض الفكرة من رأسي ‘ هل جننت هل تغار أمي علي , هراء ..!
تعود الفكرة بحلة جديدة , من قال أنها تغار عليك , هي تغار منك في وحدتك وتمام انسجامك ..
" هي أمي , وتحب لي الخير , ترحل الفكرة مقهقه هه قالت إيه "ويرتفع الصدى ولا أستمع للباقي ..!
أهرش رأس الكمبيوتر , ثم أهرش رأسي , ثم أهزه أن لا هي فقط تخاف علي منه " يرضيني هذا الحل لفترة وجيزة ..
.
الوضع يتأزم ..
|
_بنتك وين ..؟
عند الحديدة في نفس الوقت الذي تشير فيه بيدها أن "ماش / الله يخلف عليها ..


_يا أم فلانة , ممكن أكلم فلانة ..؟
والله يابنتي هي عند الحديدة الحين , ولا قابلت الحديدة ما عاد تبغى تشوف أحد , اليوم بطوله وهي جالسة مثل الأبكم والأصم , تقولين سحر " بس تنزل أقلها " طيب أنتِ مين ..؟
أنا فلانة ..
" وكان اليوم التالي وأول سؤال يقابلني صباحاً " بنت تعالي من تطلع الحديدة " وكمحاولة جاهدة في تصنع الضحك ها ها ها هي الكمبيوتر عزيزتي " اللاب توب " فقط لاغير ..


_ أمي وين ...؟
على الحديدة , الله يغيبها عني وووو إلخات..


" علماً أني في هذه الأوقات ربما أكون أذاكر امتحان أو أرتب غرفتي أو حتى أتابع الأخبار أو أكون عابرة من أمام ناظريها كحمامة غافلة لا تدرك ما حولها وبغباء اتبسم ..!


حتى أتى ذلك اليوم والذي تدخل فيه بنت أختي الصغرى والتي تتحدث العربي المكسر بفصاحة وبالكاد تعرف تلم كلمتين على بعضها علي الغرفة وتنطق بالفاجعة , " برضو على الحديدة " , لا أخفيكم سراً أن هذه الكلمة بالذات وفي تلك اللحظة بالذات ومنها بالذات كانت "صفعة " ويكون ردي أن سحبتها مع شعرها وألقيت بها في غياهب الجب قصدي في جوف الدرج وغوري في ستين حديدة أقصد في ستين جهنم .
ومنذ ذلك الحين وهي تسمى بالحديدة , ظلماً وبهتاناً / " صوت بكاء ..!


ولايزال الاسم مجلجلاً في كل مجلس وفي كل حديث وارتبط رباطاً وثيقاً بالسؤال عني وحتى باسمي .." والحديدة , حتى ساءت الأمور أكثر وبقيت فعلاً على الحديدة صفر اليدين " ولا هللة .


ونظراً لتحزب الجميع في صف أمي , ليس لأنها على صواب ولكن فقط لأنها " أمنا " , باتت لقاءاتنا في تفاوت وعلى عجل وفي الخفاء وغالباً في منتصف الليل بعد التأكد ألف مرة من شخير أمي خلف بابها , حتى أنه بات مجرد مواء القطة في آخر شارع من الحارة اللي بجنبنا يدفعني بلا وعي لقفل الجهاز والدخول في تمثيل النوم ويدي تشد على قلبي من شدة الفزع .


تمضي أيام وأيام , وتعلقنا يزداد عن بعد , وعن بعد نتحين الفرص ولو لمرة للقاء , تكفيني بعض الأحيان أن امسح من على ظهره الغبار والدموع تغالبني , ويشد بلوتوثه يدي نحوه حتى لا أكاد أملك رفعها عنه , إنه الحب الضائع والقرب المستحيل .
.


كانت هذه ذكرياتنا في السنة الأولى ولطالما حدَّث الجميع عن صعوبة التعايش في هذه الفترة وأن كل شيء بعدها يمر ببساطة وكل هـ/الكلام مصيره الرضوخ والرضا والاقتناع , حدثوني كثيراً عن صعوبة تقبل العائلة وترحيبها ولو كانت في الكرم كحاتم بهذا الضيف وقبوله دون تعب ومشقة , وهاهما التعب والمشقة " يقلبان وجوههما " , ونقضي بقية الأيام في تبات ونبات ونخلف أفكار وكتابات ..


وتمر أربع سنين كالزهر , كالحلم العاطر والذي تفيق منه وكأنه رحلة مجانية وسفر بلا تذاكر ومقابل , وفي كل يوم يزداد تعلقنا ببعضنا البعض وتزداد ساعات اللقاء وتتجاوز الست والسبع وربما العشر ساعات , حياة كاملة أخذتني من حياة لا أعلم إن كانت كاملة أو لا , لكنها لاتشوبها شائبة , كشهر عسل يمتد إلى مالا نهاية ..


أربع سنوات كان فيها صبوراً / معطاء / بشوشاً / حنون / مستمع جيد / وكأنه مسئول فقط عن كيفية إسعادي و في بحث دائم عن طريقة جديدة لإبهاجي , وفي لآخر معاقل الوفاء وغاية في الإيثار , نعم فطيلة أربع سنوات لم يخبرني ولو في يوم أنه يعاني أرق الهكر ولا في لحظة أن مصاب بداء التجسس ولم يوبخني قط على قبولي في يوم بحصان طروادة ينهش في بايتاته ولا في ثانية عبس في وجهي وكتب لي " ماعند أمك سالفة " أو فكر يغلق في وجهي نوره , ولم أحس في يوم بذلك حتى تراكمت على كتفه التروجانات ونخرت صدره الفايروسات وخنقته ملفات التجسس , دخل بعدها في حالة تسمى " عسر المزاج " ماقبل الاكتئاب وبدأ في صراع معي , يفتح مايريده ويغلق ما أريد , اختار في ملف الصوت قراءة سورة البقرة ويختار معها موسيقى كلاسيكية " أظنه تجاوز في إغضابي كثيراً , لكنه يستحق الصبر والتحمل , وصل به المرض لحد الانفصام " مرات وش زينه ومرات الله يخارجنا " .


وتفاقم الوضع إلى أن وصل خبره لكل من هم حولي ومعي , واكتم الشكوى في صدري ويغنيها على مسامعي إخوتي , ويكثر الزن حول الحاجة الملحة لشراء آخر جديد وشركة أخرى تليق ’ " الله يرحم هذا الحديدة وماقدر أفرط فيه " , " شوفي زين هذا خلاص مايعتبر كمبيوتر يعتبرونه الآن من الخردوات / شوفي في جهاز جديد لونه أحمر والكثير من المغريات / ويتمادى العرض بأنه سيكون هدية فقط أشور وتكون شور ..


ويكون المشهد "
يهطل الليل والبرد معاً , أطفئ الأنوار عمداً لأنني في شك دوماً من أن الأنوار تخيف الأفكار والدليل أنني أتوقف عن ممارسة الدماغ طيلة الصباح وأغلب ساعات المساء ولا تتفجر إلا عند الخلود للنوم وبمجرد إطفاء النور , أقلب في كفي كوب القهوة وفي الأخرى أتوهم بالقلم سيجارا " أسحب نَفَس مع دفع رأسي قليلاً إلى الخلف وأنفثه ليتكاثف ويحمل في جوفه شريطاً مصوراً لأجمل أوقاتنا معاً / هنا التقينا وهنا تعلقت فيه بالنظرة الأولى / الطريق بالفرح العارم إلى .. هنا ينقطع الشريط , أخذ نَفَس وأعيد الكرة ,نكمل من حيث ..إلى المنزل / الحماس الذي دفعني لقراءة الكتيب المقرون به / أول ملف حملته , ايميل , منتدى / المحادثات وحتى بعض الرموز العالقة معنا تبدأ بالاستعراض في الشريط الذي بدأ يتلاشى ..


نَفَس طويل مع تفكير أعمق أكثر " أول إصابة له / أول حالة انتحار شاحن / وبدأت حتى الخسائر المالية والمعنوية التي جاءتني بسببه تعرض نفسها كعجوز مكرمشة / التهم التي ألصقت في ظهره "السهر من الحديدة / النوم برضو الحديدة / حتى الزكام طلع للحديدة يد ورجل فيه / الجوع ‘ الشبع ‘ الكسل ‘ الخمول ‘ حتى وصل الأمر أن ضياع محفظتي إنما بسببه .." هذه المرة أنا من بدد دخان الشريط بيدي أحاول جاهدة لكنه لا يزال مستمراً متسمراً فوق رأسي وعلى ذلك الوضع حتى حملت الجهاز بين يدي وخوفاً على مشاعره هرعت إلى الغرفة المجاورة والتي للأسف لم أبلغها بعد أن مد الكرسي أمامي إحدى قدميه وتعثرت فيها وهوووووب " يطير الجهاز في جهة وأسقط في مكاني , بعد أن أفقت من الدوار زحفت نحوه حتى بلغته وهو على الرمق الأخير حتى فارق الحياة ..


أتلفت في العتمة من هول الصدمة لأجد أن الدخان سابق الذكر لم يغادر مكانه والشريط على ""stop.


وكما أنني مريضة بالوفاء لأدق وأبسط حاجياتي فإنه من صباح اليوم التالي يتربع على مكتبي جهاز جديد / لون جديد / حياة جديدة / ورحلة برضو جديدة ‘ وعلى شفاهي ابتسامة أكثر من عريضة .

السبت، 5 ديسمبر 2009

panadol * لحياة تتصدع ..!





أمقت فعلياً تلك اللحظات التي تكون مجبراً فيها على تهميش روحك والاهتمام البالغ بالآخرين ..
أن تركل اهتماماتك ورغباتك للزاوية وتستحضر ما يرغبه الآخرين نصب عينيك ..
أكره بالفعل تلك اللحظات التي تستوجب حضورك رغماً عنك بعيداً عن حاجاتك النفسية واحتياجاتك ..
كأن تظهر في اجتماع بعد تمزق في قلبك أو أن تكون في موضع يتوجب عليك فيه الابتسام وأنت على مشارف البكاء ..
مثل أن تترك مسلسلك الشيَّق أو برنامج المفضل في ساعتك المفضلة لتتبسم في وجوه ضيوف على حين غفلة .
كأن تقوم بأشياء كثيرة وفي داخلك تود القيام بأشياء مغايرة وعلى العكس تماماً ..
وأن تكون هكذا طوال حياتك / حياة الآخرين أهم من حياتك .
لهو منتهى التعب..!

.


فاجلس للغداء بين يدي أبي , ويتحدث / يبتسم / يضحك / يحاول جذبي لطرف حديث معه / سلطة ‘ليمون ‘ خل ‘ كوب ماء ..
وأنا على شفاهي ابتسامة معلقة بمشنقة , أحاول إخفاء وجهي عن فراسة أبي في صحن مملوء بالغصة , أقاوم رغبتي في أخذ يديَّ أبي نحوي وزج وجهي بها وأخبره " بابا أنا حزينة ..
في قلبي تفتقت الجراحات القديمة هو يحاول جاهداً لملمتها ولا يفلح , وروحي في كل لحظة تكبر سنة , بدأت أفقد ألواني كثيراً مؤخراً وكل يوم استيقظ على لون مفقود ضائع تائه أو ينازع سكرة التلاشي , سأتحول إلى رمادي أيضاً باهت بكل تأكيد قريباً .

يؤلمني كثيراً أن أرى ذلك الذبول فيني ذاته الانطفاء في عينيك , أن أشعر بزهرتي تحني رأسها نحو قلبها في آنية صدرك تسكنها ارتعاشه على شرفة من موت .
أنا أرى ذلك في شحوبك وشدة خوفك , في هروبك وصمتك..
أنا ربما لن أموت أشد من موتي الآن .
لا ترهق نفسك " فكلاهما موت ..!

.

_ ما بك ..؟
أتنبه على سؤال متأخر جداً , يااااااااه بعد طول فراغ جاء , هكذا هي حياتنا أسئلة فارغة بعد الإجابة بعمر لنفض العتب عنا , مجرد أشياء شكلية لنبرهن للعالم أننا نملك أحاسيس ولدينا مخزون هائل من مشاعر هي مولد هذه الأسئلة وهي ذاتها موت وطحن للإجابة , في طعمها تشبه لحد ما السؤال المكرر في كل يوم بـ"كيف حالك ..؟


ما / بك ..؟
مـا / بك..؟
مــا / بك..؟
مـــاء...بـ‘ـي ..!
لا هو يروي زهرتي ولا هو يتركها تنقضي , يغلي في قلبي ويتجمد في باقي أطرافي , أغرق به جداً ويكويني ..

يكرر بحرقة الحانق على تجاهل السؤال وليس بالمتلهف الخائف من الإجابة " / _قلت ما بك ..؟
مشرط يشق صدري نصفين بتعرج تام " آه ..أنـا / _ مجرد صداع وسيزول بإذن الله .
_ انتبهي لنفسك / أنت لم تصلي الأربعين بعد ..؟
_ على أمرك " وفي داخلي ليت الأمر بيدي‘..!

هو صداع في حياتي يكبر ويشتد وجعه ويحيط بنواحي عديدة منها, يدفعها للضجر , لمحاولة الصراخ , الارتماء أرضاً , للأنين الذي لا يتوقف .
للتفكير في تجربة الموت ,
محاولات فاشلة للانتحار ..!
التخبط ..


" هل سيصلح * panadol / ما أفسده الدهر ..؟!



.

إني أغرق .."

إني أغرق /أغرق /أغرق ..
تلك الأغنيات التي توقظ في صدر العاشق كل الشوق وتكفي المحب كل الحروف ..
تلك الدندنة التي تطرق أبوب القلب وذلك العزف الساحر عندما يأخذك معه تسبح في غيمة ..
الأغنية التي نحتها نزار قباني وجمَّلها عبدالحليم بصوته وهدوءه وحزنه ..


.


إن كنتَ صديقي.. ساعِدني
كَي أرحَلَ عَنك..
أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني
كَي أُشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً
ما أبحرت..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي
ما كنتُ بَدأت...
اشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني
أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق
إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني
من هذا اليَمّ..
فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم
الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق
وأنا ما عندي تجربةٌ
في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق
إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ
فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..
إنّي أغرق..
أغرق..
أغرق..


.


تلك الأغنية التي صدحت بها شوارع جدة وبيوتها حتى أبكت السماء , التي غنتها الطرقات والسكك وحتى مسجلات السيارات , وبدأت بها الحفلات وختمت بها الأعراس وباتت دليل قاطع على منتهى الحب..
حتى فار التنور وثار الشوق والحنين في صدر عروس البحر "جدة " فكشفت عن ساقيها واضعة قلبها على كفها تخطو بقدميها في الماء فالحبيب غاب على سفينة والموج لم يعد يحمل همساته وأحاديثه وحنينه معتقة في زجاجة كعطر, هي لم تعد تطيق الانتظار , وانغماس الشمس على طرف البحر الأخير أغراها بالخطو قدماً أكثر فأكثر وسط الماء..


وتبدلت الأرض بالماء والثبات بالانسياب والمطر رحمة بالمطر العذاب , عندما فاق الأهالي على غياب "عروس البحر " في جوف البحر , وتلك البيوت المطمئنة غادرها الاطمئنان إلى منتهى التعب والأرق والشوارع المعلقة المتباهية بتمرجحها في ثبات فقدت أرجلها وغارت في الأرض على قلوب وأرواح وأجساد , وتلك الفوهة التي تظن أن بها نهاية العالم وموت الحياة , بؤرة المغناطيس التي سحبت كل السيارات وابتلعتها بعضها فوق بعض , وأكوام شاحنات وأكوام جدران وأكوام جثث وأشلاء..


عندما فاقت جدة على خيانة عظمى وطعنة في الظهر والبطن والكتف وحبل ملتف حول الأعناق , والمجرم الحقيقي لايزال في أرض الحدث وكان أول الباكين على جريمته, ذلك المجرم الذي سرق ولهب ونهب خيراتها وأوكل بالمهمة لشركة وهمية أخرى ومن شركة إلى شركة حتى انتهى بهم المطاف إلى إجبار المواطنين على الجفاف والعطش حتى لايظهر للعيان الكبير الذي حاك الأمر وقضاه .


وانتهى الأمر إلى مجرد صور مؤلمة تقطع نياط القلوب التي أصغر من أن تحتمل وتوكيل الأمر إلى مصيبة وكارثة وقضاء وقدر , انتهت القضية بالتقييد ضد مجهول وأغلقت الدفاتر وأغلقت المحاضر على عجل ولملم الموضوع ككل المواضيع التي تكمكم ..


يبدو أن الأرض تتكشف , فماكان مخبأ فيها بات ظاهر للعيان , والأشياء التي تحاك في الخفاء أصبحت على العلن , والجرائم المقيدة ضد مجهول لاتزال ضد مجهول فقط لشح الأدلة , والحب الذي كان أخضر والدم الأخضر والعرق الأخضر والثوب / البيت / السيارة التي باللون الأخضر بدأت تبدل لونها بلون الأسى ولون الدم ..


ونبكيك جدة , ونبكي البيوت التي شكت لشهور انقطاع الكهرباء وماتت على شحنة زائدة بالكهرباء في وسط الغرق , ونبكيك جدة ونبكي الأرواح التي تقيدت بشروط الأمان فربطت حزام الأمان وسارت بسرعات معقولة ورعت حق الطريق وفاجأتها السيول والمياه من حيث لم تحتسب " ونبكي الشوارع المدمرة والخسائر الفادحة والتي لاتقع دائماً وأبداً إلى على عاتق المواطن المسكين أو المقيم ..


نرثي الضحايا الـ"77 ونرفع أكفنا بدعاء يغمره بكاء " يارب هم ضيوفك فأكرمهم هم عاشوا طوال حياتهم أموات فنرجو أنهم وجدوا الحياة في كنفك , هم شهداءك فافسح لهم في جناتك حيث لاغرق / لا طوفان / لافقر / لاقهر / لاذل / لاحزن ولافقد وحرمان ..
إلى فسيح الجنان ..
ونذكر حديث الحبيب المصطفى " ليست جنة واحدة إنها جناااااااااااااااااان "..


ويختم المساء على أصوات تئن وتبكي وأفئدة تتقطع وهي تصرخ " إني أغرق / أغرق / أغرق ..
فيارب حسبنا إياك ..


.


عندما تبدد العيد بموت ولبست الفرحة الحداد , وغصت الأفواه بالكلمات وماتت العبرات .
وفاق الناس على وطن ينقرض وأرض تُنقص من أطرافها وأوسطها وكل جهاتها ..
وجاءت تكبيرات العيد " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله / الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ‘ كنزع الروح / تسكب الدموع .
الخوف الذي داهمنا من بعد أمن ومن حيث لانحتسب , فالجنود عن بكرة أبيهم على مشارف الموت في جازان والقوات تتأهب على أرض مكة من غدر " وتغرق جدة في يوم .
تغرق في يوم في حين أرض الضباب ماطرة طوال الشتاء والهند تستحم كل يوم وكندا تحتضن المطر طوال الشهر لكنها لاتغرق ..
هو العشق الذي أودى بجدة وأرقها , فقط الغرام الذي أقظ مضجعها وأغرقها " يوم ماطر ..


أينه من ذلك " وطن ..!

في غياهب الحرف ..!

حالياً يتوالد لدي شعور شنيع نحو القراءة , حالة نفور عجيبة , هو لم يصل للبغض ولكنه على شفا جرف هاو , رغم كوني لم أفقد شهيتي بعد في شراء الكتب والروايات وحتى المجلات , قد تكون فوبيا قراءة .


أدرك أن القراءات التي عبرتها هي في الواقع عبارة عن قناعات ’ وكل ما يرسمه الحرف هو شعور قوي لدى أحدهم يود وصوله مما يعني أني في خضم القراءة سيتم غسل دماغي أو تغيير مبادئ وحرف فكري عن مسيره مهما كانت تلك الأشياء جيَّدة أوسليمة , مجرد شعوري بذلك يولد عندي هذا الخوف .




لذلك أنا لا أعطي اهتمامي لشيء حتى يكون لائق فعلاً حتى يبارز ما أنا عليه , ولا يحظى بوقتي سوى قليل وقليل من قليل من الكتب أو الكتَّاب .
فبعض السطور عندما تمر بها ستجد نفسك أعزل في معركة فكر على أشدها ‘ بين قناعاتك وقناعات يحاول الكاتب زرعها لديك , وبعض الحروف ستجد لها أثر التنويم المغناطيسي فحالما تنتهي منها تجدك تردد ماجاء فيها بالنص .


ربما يرى البعض أن ذلك مما يحمد لا مايكره ‘ نعم هو كذلك , لكن من الخسران المبين أن تحتدم في صدرك ملحمة وفي عقلك حرب ضروس ويكون ما مررت به ليست سوى سطور مزيفة وكلام لم يتعدى كونه حبر على ورق , حروف كتبها أحدهم ليظل كاتب وطبعها أحدهم فرد عضلات ونشرها آخر من باب دخل وباب رزق , حروف صماء أو ميتة كتبت ربما حسب الموضة أو كانت نوع من أنواع مادة الإنشاء "العناصر المهمة والمقدمة والخاتمة " .
فيصنع فكرة ليفجر فكرة , ويحصد فكرة ليزرع أخرى , يمسح أفكار ليرسم بدلاً منها غيرها , البعض والله كذلك ’ تراه يكتب نص لم يتجاوز ورقته أو صفحته ليصنف من الكتَّاب وهو لم يتعدى كونه كذَّاب .


أرى منهم من جعلوا من السحر والمسَّ والعين والحسد مادة جديدة وخام , وفكرة قابلة للطيران , من جعلوا منها قصص وصور وأحاديث فقط ليجربوا شيئاً جديداً لم يخوضوه من قبل , أو يجدون فيها متسع من الوقت للسخرية والضحك .
هو يستل القلم ويطارح الورق ويكتب بسخرية عارمة عن شاب فاقد عقله جراء سحر وفتاة تعاني من المس و ..إلخ , يتهمهم بالجنون , وأن الأمر لا يتعدى كونه محاولة فاشلة لتبرير فشل أو خسارة , يكتب ويكتب ثم يغلق الدفتر ويعود إلى حياة طبيعية , نوم ‘ مأكل ‘ مشرب ‘ حياة اجتماعية هانئة ‘ أحلام ‘ طموحات , في حين من كتب عنهم لا حلم لديهم سوى الخلاص ولا طموح لديهم سوى محاولة الحياة , يصارعون أنفسهم , يتقاتلون داخلهم , متعبون , بين الحياة والموت هم الشعرة .


هو يغلق قلمه .


وتنطوي صفحته عن فتاة لا تريد أن تحلم , هاربة من النوم إلى السهر , تحاول جاهدة أن تبقي عينيها في حالة (on) طوال اليوم , لا تهتم بالكم الهائل من الهالات السوداء تشوه جمال عينيها لأن هناك من سيشوه وجهها في منامها , عن قطط سودا تخربش في أعماقها ‘تهرب, عن ثعابين تتلوى على ذراعيها وساقيها , عن أسد جائع بفم مفتوح وأنياب جادة في البحث عنها , عن ذلك الذي تجهله لا ينفك عن مطاردتها بفأس يتقاطر منه الدم يستأذنها أن يأخذ رأسها , عن السقوط / عن الدود / عن رائحة عفنة للدم / عن جنيَّ يزورها كل فترة بين حلم وحلم ليخبرها كم هو يعشقها ولن يفقدها .


تنطوي صفحته عن شاب في مقتبل العمر , في مقتبل الحياة , في مقتبل النجاح , في مقتبل الفرح , يمسي يدرك العالم في أدق شؤونه ويصبح لا يدرك اسمه , أحدهم يضغط على عقله , يوثق فكره , يكبل فهمه , يغيَّبه عن أهله / أصدقائه / أقاربه / أحبته / خطيبته , ويطلقه للضياع والتيه , يتركه كجهاز ريبورت هو من يتحكم في ضحكته وكم من الوقت سيستغرق قلقه , كيف يجب أن تكون عليه رغبته , ارتجاجه واتزانه , يدفعه قصراً للعزلة والإبقاء عليه في بيت شبه مهجور , لا أحد يهتم به ولا أحد يستطيع في الواقع أن يصله حتى لا يتسنى لهم أن يدركوا حقيقة الأموال التي تغادر وطنه إلى وطن خادم كان له .


تنطوي صفحته على رئة تضمحل , صحة وعافية تغادر , خير ورزق وبركة تمحق, حياة هانئة تتلاشى , دكان يسرق , بيت يحترق , طوق من اختناق يحيط العنق " على رجل كبير في السن مزحوم " حتى في وقت فراغه * مشغول ’ حتى في سفره * مهموم , لم يبرح مكانه * متعب , يصحو للتو من نومه * مرهق , هو ليس الوحيد من يمتلك بدنه فمعه الكثير , يشعر بهم في رأسه / جوفه / داخله / تحت جلده ‘ يأكلون ويشربون , يروحون ويجيئون , يضحكون ويبكون , إنه متخوم بهم , ولا يزال جاره يضرب سيارته بيده حتى باعها , لايتعب يذكره بعمارته حتى سقطت , عن سائقه والخادمة حتى هربا , عن شهادة ابنه ووظيفته حتى هجرها ..


تنطوي صفحته عن الكثير من المرهقين , ممن لا هم أدركوا الحياة ولا هم يدركهم موت , في صناديق يعيشون تكبر أنفسهم ولا تزال تلك الصناديق تصغر , رغم فسحة السماوات إلا أنها تبدو لهم كأرض فهم يعيشون بين سبع أراضٍ وسبع .




لندرك جميعاً أن من كانت يده في الماء ليس كمن هي على جمر , وندرك حقيقة أن الكُتَّاب بحق هم فقط من سطروا الأمثال بصدق ..




.