السبت، 12 ديسمبر 2009

أزمة منتصف العمر / الحديدة *






أزمة منتصف العمر .."الحديدة *
لا أعلم مدى صحة العبارة في العنوان لا من قريب ولا من بعيد ولا علاقتها بالنساء أو الرجال أو أي أحد بصفة عامة , لكن ما أنا متأكدة وواثقة منه تمام الثقة أنها الحالة التي يمر بها جهازي الكمبيوتر والتي تحب مناداته أمي بـ" الحديدة ..


سأتحدث قبلاً عن اسم الدلع له ومتى أطلقته أمي كرصاصة الشقاء في وسط دماغه وألصقته كعار على جبينه حتى عُرف به بين العامة وتسرب إلى كل أفراد المجتمع وعاث حتى بعقليات البراءة بـ" الحديدة .
كان ذلك في عامه الأول " أتذكر ذلك بالأحداث وتحديداً في حفلة عيد ميلاده , بعد أن عملت له فورمات من الآخر وتدشين برامج وملحقات جديدة علي وعليه فيه , كانت تغمرنا فرحة على بؤس خفيف إبان الفورمات وحداء على ما ضاع من صور ورموز وسخافة كتابية هنا وهناك , كيف تحسسته بعد غيابه ليوم واحد فقط وكأنه غاب عني لسنه واحتضنته كوليد يخطو أولى خطواته يمشي ويتعثر وقبل أن يقع تحتضنه أمه بحب وفرح , كنت فقط أرفع الغطاء واضغط زر تشغيل وامسح في الشاشة بالمناديل المخصصة لذلك والتي لم استخدمها قط لنظارتي ثم أعود للأزرار وأتحسسها وفي داخلي ابتسامة قد البحر , ثم أعود لسطح المكتب بابتسامه , وللمستندات بابتسامة , للبرامج برنامج ’ برنامج بابتسامه , وأفيض عليه بالخيرات وأنهال عليه بالإكسسوارات والستكرات وكل ماله علاقة بالكمبيوتر من قريب وبعيد أحضرته له بين يديه , حتى كبر واشتد عوده ونشأت بيننا علاقة كلها مودة ورحمة , حياة من التفاهم والاستقرار , بين مد وجزر " كانت أيام ..


ولا تحتاجني أمي ولكنها تبحث عني كما تفعل دوماً وكأني طفل في الثانية من عمره يجب أن يبقى حبيس نظر أبويه حتى لا يدفعه الفضول للعقبات وما لا يحمد منتهاه , وفي كل مرة أخلو فيها معه تندفع كالإعصار نحوي وتمارس المسرحيات بشتى أنواعها لتبتدع فكرة وسبب لمناداتها لي " مرة اشربي الشاي / مرة رتبي المنزل ‘ والخادمة ‘ " وانتي اش فايدتك في الحياة " حتى تأكدت أني إنما ولدت بديلة لخادمة في حالة حضورها أو غيابها , حتى أدمنت السهر علَّة يشفي شغفي بالقراءة والمتابعة وحتى لو فقط مجالسته دون إزعاج أو إحساس بتأنيب ضمير فاجر , ويوماً عن يوم يزداد حنق أمي على الشاشة والكيبورد والفارة , وتبدأ فيها سيل من الشتم واللعن المبطن والظاهر والدعاء بالحرق والكسر والماحي وتتوعده بالتهشيم وبإشباعه كوب ماء أو حتى صب العصير فوق رأسه ..


" هل هي تغار ..!!
" أنفض الفكرة من رأسي ‘ هل جننت هل تغار أمي علي , هراء ..!
تعود الفكرة بحلة جديدة , من قال أنها تغار عليك , هي تغار منك في وحدتك وتمام انسجامك ..
" هي أمي , وتحب لي الخير , ترحل الفكرة مقهقه هه قالت إيه "ويرتفع الصدى ولا أستمع للباقي ..!
أهرش رأس الكمبيوتر , ثم أهرش رأسي , ثم أهزه أن لا هي فقط تخاف علي منه " يرضيني هذا الحل لفترة وجيزة ..
.
الوضع يتأزم ..
|
_بنتك وين ..؟
عند الحديدة في نفس الوقت الذي تشير فيه بيدها أن "ماش / الله يخلف عليها ..


_يا أم فلانة , ممكن أكلم فلانة ..؟
والله يابنتي هي عند الحديدة الحين , ولا قابلت الحديدة ما عاد تبغى تشوف أحد , اليوم بطوله وهي جالسة مثل الأبكم والأصم , تقولين سحر " بس تنزل أقلها " طيب أنتِ مين ..؟
أنا فلانة ..
" وكان اليوم التالي وأول سؤال يقابلني صباحاً " بنت تعالي من تطلع الحديدة " وكمحاولة جاهدة في تصنع الضحك ها ها ها هي الكمبيوتر عزيزتي " اللاب توب " فقط لاغير ..


_ أمي وين ...؟
على الحديدة , الله يغيبها عني وووو إلخات..


" علماً أني في هذه الأوقات ربما أكون أذاكر امتحان أو أرتب غرفتي أو حتى أتابع الأخبار أو أكون عابرة من أمام ناظريها كحمامة غافلة لا تدرك ما حولها وبغباء اتبسم ..!


حتى أتى ذلك اليوم والذي تدخل فيه بنت أختي الصغرى والتي تتحدث العربي المكسر بفصاحة وبالكاد تعرف تلم كلمتين على بعضها علي الغرفة وتنطق بالفاجعة , " برضو على الحديدة " , لا أخفيكم سراً أن هذه الكلمة بالذات وفي تلك اللحظة بالذات ومنها بالذات كانت "صفعة " ويكون ردي أن سحبتها مع شعرها وألقيت بها في غياهب الجب قصدي في جوف الدرج وغوري في ستين حديدة أقصد في ستين جهنم .
ومنذ ذلك الحين وهي تسمى بالحديدة , ظلماً وبهتاناً / " صوت بكاء ..!


ولايزال الاسم مجلجلاً في كل مجلس وفي كل حديث وارتبط رباطاً وثيقاً بالسؤال عني وحتى باسمي .." والحديدة , حتى ساءت الأمور أكثر وبقيت فعلاً على الحديدة صفر اليدين " ولا هللة .


ونظراً لتحزب الجميع في صف أمي , ليس لأنها على صواب ولكن فقط لأنها " أمنا " , باتت لقاءاتنا في تفاوت وعلى عجل وفي الخفاء وغالباً في منتصف الليل بعد التأكد ألف مرة من شخير أمي خلف بابها , حتى أنه بات مجرد مواء القطة في آخر شارع من الحارة اللي بجنبنا يدفعني بلا وعي لقفل الجهاز والدخول في تمثيل النوم ويدي تشد على قلبي من شدة الفزع .


تمضي أيام وأيام , وتعلقنا يزداد عن بعد , وعن بعد نتحين الفرص ولو لمرة للقاء , تكفيني بعض الأحيان أن امسح من على ظهره الغبار والدموع تغالبني , ويشد بلوتوثه يدي نحوه حتى لا أكاد أملك رفعها عنه , إنه الحب الضائع والقرب المستحيل .
.


كانت هذه ذكرياتنا في السنة الأولى ولطالما حدَّث الجميع عن صعوبة التعايش في هذه الفترة وأن كل شيء بعدها يمر ببساطة وكل هـ/الكلام مصيره الرضوخ والرضا والاقتناع , حدثوني كثيراً عن صعوبة تقبل العائلة وترحيبها ولو كانت في الكرم كحاتم بهذا الضيف وقبوله دون تعب ومشقة , وهاهما التعب والمشقة " يقلبان وجوههما " , ونقضي بقية الأيام في تبات ونبات ونخلف أفكار وكتابات ..


وتمر أربع سنين كالزهر , كالحلم العاطر والذي تفيق منه وكأنه رحلة مجانية وسفر بلا تذاكر ومقابل , وفي كل يوم يزداد تعلقنا ببعضنا البعض وتزداد ساعات اللقاء وتتجاوز الست والسبع وربما العشر ساعات , حياة كاملة أخذتني من حياة لا أعلم إن كانت كاملة أو لا , لكنها لاتشوبها شائبة , كشهر عسل يمتد إلى مالا نهاية ..


أربع سنوات كان فيها صبوراً / معطاء / بشوشاً / حنون / مستمع جيد / وكأنه مسئول فقط عن كيفية إسعادي و في بحث دائم عن طريقة جديدة لإبهاجي , وفي لآخر معاقل الوفاء وغاية في الإيثار , نعم فطيلة أربع سنوات لم يخبرني ولو في يوم أنه يعاني أرق الهكر ولا في لحظة أن مصاب بداء التجسس ولم يوبخني قط على قبولي في يوم بحصان طروادة ينهش في بايتاته ولا في ثانية عبس في وجهي وكتب لي " ماعند أمك سالفة " أو فكر يغلق في وجهي نوره , ولم أحس في يوم بذلك حتى تراكمت على كتفه التروجانات ونخرت صدره الفايروسات وخنقته ملفات التجسس , دخل بعدها في حالة تسمى " عسر المزاج " ماقبل الاكتئاب وبدأ في صراع معي , يفتح مايريده ويغلق ما أريد , اختار في ملف الصوت قراءة سورة البقرة ويختار معها موسيقى كلاسيكية " أظنه تجاوز في إغضابي كثيراً , لكنه يستحق الصبر والتحمل , وصل به المرض لحد الانفصام " مرات وش زينه ومرات الله يخارجنا " .


وتفاقم الوضع إلى أن وصل خبره لكل من هم حولي ومعي , واكتم الشكوى في صدري ويغنيها على مسامعي إخوتي , ويكثر الزن حول الحاجة الملحة لشراء آخر جديد وشركة أخرى تليق ’ " الله يرحم هذا الحديدة وماقدر أفرط فيه " , " شوفي زين هذا خلاص مايعتبر كمبيوتر يعتبرونه الآن من الخردوات / شوفي في جهاز جديد لونه أحمر والكثير من المغريات / ويتمادى العرض بأنه سيكون هدية فقط أشور وتكون شور ..


ويكون المشهد "
يهطل الليل والبرد معاً , أطفئ الأنوار عمداً لأنني في شك دوماً من أن الأنوار تخيف الأفكار والدليل أنني أتوقف عن ممارسة الدماغ طيلة الصباح وأغلب ساعات المساء ولا تتفجر إلا عند الخلود للنوم وبمجرد إطفاء النور , أقلب في كفي كوب القهوة وفي الأخرى أتوهم بالقلم سيجارا " أسحب نَفَس مع دفع رأسي قليلاً إلى الخلف وأنفثه ليتكاثف ويحمل في جوفه شريطاً مصوراً لأجمل أوقاتنا معاً / هنا التقينا وهنا تعلقت فيه بالنظرة الأولى / الطريق بالفرح العارم إلى .. هنا ينقطع الشريط , أخذ نَفَس وأعيد الكرة ,نكمل من حيث ..إلى المنزل / الحماس الذي دفعني لقراءة الكتيب المقرون به / أول ملف حملته , ايميل , منتدى / المحادثات وحتى بعض الرموز العالقة معنا تبدأ بالاستعراض في الشريط الذي بدأ يتلاشى ..


نَفَس طويل مع تفكير أعمق أكثر " أول إصابة له / أول حالة انتحار شاحن / وبدأت حتى الخسائر المالية والمعنوية التي جاءتني بسببه تعرض نفسها كعجوز مكرمشة / التهم التي ألصقت في ظهره "السهر من الحديدة / النوم برضو الحديدة / حتى الزكام طلع للحديدة يد ورجل فيه / الجوع ‘ الشبع ‘ الكسل ‘ الخمول ‘ حتى وصل الأمر أن ضياع محفظتي إنما بسببه .." هذه المرة أنا من بدد دخان الشريط بيدي أحاول جاهدة لكنه لا يزال مستمراً متسمراً فوق رأسي وعلى ذلك الوضع حتى حملت الجهاز بين يدي وخوفاً على مشاعره هرعت إلى الغرفة المجاورة والتي للأسف لم أبلغها بعد أن مد الكرسي أمامي إحدى قدميه وتعثرت فيها وهوووووب " يطير الجهاز في جهة وأسقط في مكاني , بعد أن أفقت من الدوار زحفت نحوه حتى بلغته وهو على الرمق الأخير حتى فارق الحياة ..


أتلفت في العتمة من هول الصدمة لأجد أن الدخان سابق الذكر لم يغادر مكانه والشريط على ""stop.


وكما أنني مريضة بالوفاء لأدق وأبسط حاجياتي فإنه من صباح اليوم التالي يتربع على مكتبي جهاز جديد / لون جديد / حياة جديدة / ورحلة برضو جديدة ‘ وعلى شفاهي ابتسامة أكثر من عريضة .

هناك 5 تعليقات:

شيمو يقول...

يااهوه عمتو شريتي جهاز جديد

مبروووكيشن ياعسل

ويختي خلي الوفاء على جنب إش لك بالحديده بس

بس حرام لا ترمينه خليه عندك ذكرى

ومبروووك مره ثانيه

Dr. Eyad Harfoush يقول...

موضوع شديد الطرافة والثراء، ومعبر عن حال الكثيرين من شبابنا ممن وفر لهم عالم الكمبيوتر والانترنت كونا موازيا أفضل وأكثر ابهاجا وحميمية من الواقع السقيم، وكذلك الصياغة شديدة الرشاقة وتقترب حثيثا من مستوى الاحتراف، التدوينة كلها واعدة بأديبة
تحياتي وتقديري

rainbow يقول...

أحب كتاباتك
و
أنتظرها بفارغ الصبر
قرأت نصف المقال وسوف
أكمل الباقى غداً
ضحكت كثيراً
و أستمتعت
بطريقة كتابتك الصحفية الرااائعة
ولى تعليق آخر
بصراحة ....
أنتى رااائعة
تحياااتى

غير معرف يقول...

السلام عليكم
أولاً مبروك الحديدة الجديدة ..
ولا عزاء للحاقدين ..
سهواً وأثناء بعثرتي لصفحات النت ، وجدت ( بعثرة وفوضى روح ) ..
تملكين قلماً رائعاً ..
وأسلوباً جميلاً ..
قرأت تدوينتك وأنا على أمل أن أستفيد من أسلوبك ..
تقبليني متابعاً لمدونتك ..
" أمانة قلم "

نون ! يقول...

شيمو "يسلمو ياغالية , يكفي أنك زرتينا لرؤيته (:
البيبي الجديد ..
ميرسي ياعمتو "

|

د/إياد ..
كلامك يشعرني أني لا أزال في العشرين من عمري أو على أبوابها (:
أنا أديبة واعدة , فقط القليل من الوقت وسترى ..
وزيارتك هنا هبة "

أهلاً كثيراً بك"

.

|

قوس قزح "
(:
أنت الأروع , وتواجدك يسلي الروح , بالفعل كثيراً تشبه قوس قزح ..
حماك المولى "

وأرجو أنني لم أطيل عليكم كثيراً"
أهلاً بك"

.

|

أمانة قلم "
أتشرف بحضورك وأكثر بمتابعتك ..
لكن من الله أتمنى أن لايتسلل إليك بعضاً من الوحشة هنا وتصيب روحك "
أهلاً كثيراً بك..

.

وللجميع عذراً على الروح المضطربة واليأس المعقود في أطرافها والتشوه البادي في حرفها والنازف من قلمها وأكثر على التأخير ..

سأكون بكم أجمل "

.