السبت، 5 ديسمبر 2009

إني أغرق .."

إني أغرق /أغرق /أغرق ..
تلك الأغنيات التي توقظ في صدر العاشق كل الشوق وتكفي المحب كل الحروف ..
تلك الدندنة التي تطرق أبوب القلب وذلك العزف الساحر عندما يأخذك معه تسبح في غيمة ..
الأغنية التي نحتها نزار قباني وجمَّلها عبدالحليم بصوته وهدوءه وحزنه ..


.


إن كنتَ صديقي.. ساعِدني
كَي أرحَلَ عَنك..
أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني
كَي أُشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً
ما أبحرت..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي
ما كنتُ بَدأت...
اشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني
أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق
إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني
من هذا اليَمّ..
فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم
الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق
وأنا ما عندي تجربةٌ
في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق
إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ
فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..
إنّي أغرق..
أغرق..
أغرق..


.


تلك الأغنية التي صدحت بها شوارع جدة وبيوتها حتى أبكت السماء , التي غنتها الطرقات والسكك وحتى مسجلات السيارات , وبدأت بها الحفلات وختمت بها الأعراس وباتت دليل قاطع على منتهى الحب..
حتى فار التنور وثار الشوق والحنين في صدر عروس البحر "جدة " فكشفت عن ساقيها واضعة قلبها على كفها تخطو بقدميها في الماء فالحبيب غاب على سفينة والموج لم يعد يحمل همساته وأحاديثه وحنينه معتقة في زجاجة كعطر, هي لم تعد تطيق الانتظار , وانغماس الشمس على طرف البحر الأخير أغراها بالخطو قدماً أكثر فأكثر وسط الماء..


وتبدلت الأرض بالماء والثبات بالانسياب والمطر رحمة بالمطر العذاب , عندما فاق الأهالي على غياب "عروس البحر " في جوف البحر , وتلك البيوت المطمئنة غادرها الاطمئنان إلى منتهى التعب والأرق والشوارع المعلقة المتباهية بتمرجحها في ثبات فقدت أرجلها وغارت في الأرض على قلوب وأرواح وأجساد , وتلك الفوهة التي تظن أن بها نهاية العالم وموت الحياة , بؤرة المغناطيس التي سحبت كل السيارات وابتلعتها بعضها فوق بعض , وأكوام شاحنات وأكوام جدران وأكوام جثث وأشلاء..


عندما فاقت جدة على خيانة عظمى وطعنة في الظهر والبطن والكتف وحبل ملتف حول الأعناق , والمجرم الحقيقي لايزال في أرض الحدث وكان أول الباكين على جريمته, ذلك المجرم الذي سرق ولهب ونهب خيراتها وأوكل بالمهمة لشركة وهمية أخرى ومن شركة إلى شركة حتى انتهى بهم المطاف إلى إجبار المواطنين على الجفاف والعطش حتى لايظهر للعيان الكبير الذي حاك الأمر وقضاه .


وانتهى الأمر إلى مجرد صور مؤلمة تقطع نياط القلوب التي أصغر من أن تحتمل وتوكيل الأمر إلى مصيبة وكارثة وقضاء وقدر , انتهت القضية بالتقييد ضد مجهول وأغلقت الدفاتر وأغلقت المحاضر على عجل ولملم الموضوع ككل المواضيع التي تكمكم ..


يبدو أن الأرض تتكشف , فماكان مخبأ فيها بات ظاهر للعيان , والأشياء التي تحاك في الخفاء أصبحت على العلن , والجرائم المقيدة ضد مجهول لاتزال ضد مجهول فقط لشح الأدلة , والحب الذي كان أخضر والدم الأخضر والعرق الأخضر والثوب / البيت / السيارة التي باللون الأخضر بدأت تبدل لونها بلون الأسى ولون الدم ..


ونبكيك جدة , ونبكي البيوت التي شكت لشهور انقطاع الكهرباء وماتت على شحنة زائدة بالكهرباء في وسط الغرق , ونبكيك جدة ونبكي الأرواح التي تقيدت بشروط الأمان فربطت حزام الأمان وسارت بسرعات معقولة ورعت حق الطريق وفاجأتها السيول والمياه من حيث لم تحتسب " ونبكي الشوارع المدمرة والخسائر الفادحة والتي لاتقع دائماً وأبداً إلى على عاتق المواطن المسكين أو المقيم ..


نرثي الضحايا الـ"77 ونرفع أكفنا بدعاء يغمره بكاء " يارب هم ضيوفك فأكرمهم هم عاشوا طوال حياتهم أموات فنرجو أنهم وجدوا الحياة في كنفك , هم شهداءك فافسح لهم في جناتك حيث لاغرق / لا طوفان / لافقر / لاقهر / لاذل / لاحزن ولافقد وحرمان ..
إلى فسيح الجنان ..
ونذكر حديث الحبيب المصطفى " ليست جنة واحدة إنها جناااااااااااااااااان "..


ويختم المساء على أصوات تئن وتبكي وأفئدة تتقطع وهي تصرخ " إني أغرق / أغرق / أغرق ..
فيارب حسبنا إياك ..


.


عندما تبدد العيد بموت ولبست الفرحة الحداد , وغصت الأفواه بالكلمات وماتت العبرات .
وفاق الناس على وطن ينقرض وأرض تُنقص من أطرافها وأوسطها وكل جهاتها ..
وجاءت تكبيرات العيد " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله / الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ‘ كنزع الروح / تسكب الدموع .
الخوف الذي داهمنا من بعد أمن ومن حيث لانحتسب , فالجنود عن بكرة أبيهم على مشارف الموت في جازان والقوات تتأهب على أرض مكة من غدر " وتغرق جدة في يوم .
تغرق في يوم في حين أرض الضباب ماطرة طوال الشتاء والهند تستحم كل يوم وكندا تحتضن المطر طوال الشهر لكنها لاتغرق ..
هو العشق الذي أودى بجدة وأرقها , فقط الغرام الذي أقظ مضجعها وأغرقها " يوم ماطر ..


أينه من ذلك " وطن ..!

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

يالله ..
لا أعلم ماذا أكتب
أحرفاً جميلة التي سطرت عن جدة الحزينة ،،
ردي مجرد متابعة ، لأنه لا يرقى لطرحك ..
سلمت أناملك
أمانة قلم

نون ! يقول...

أمانة قلم "
اسم بالفعل جميل , وهو يعني بالفعل ردودك ومتابعاتك ..
وردك لائق وأكثر "
أهلاً بك..

.