الجمعة، 1 يناير 2010

طاعنة في الضجــر ..!





الاتصال في وقت غير مناسب جداً لي ولا أظنه كذلك بالنسبة لها , هذا يعني أنه شيء ضروري وخارج عن القدرة على الاحتمال , ولم أفاتحها بالسلام ولم تصرخ في وجهي أن غيري "مرحبا" هذه وعليك بالـ"السلام عليكم" , دون أي كلمة تشبه أهلاً أو هلا وغلا ولا "نعم" ولا حتى أدنى إشارة أني في مزاج يسمح لي بالإنصات وفي وضع قابل للضغط دون انفجار ..


لم تستأذن كعادتها أو تسأل كما عودتني "ممكن من وقتك دقائق يا سعادة الوزيرة" , " عندك وقت فائض لي " , "أحتاجك في موضوع " , " أبغى أكلمك في شيء وأخذ رأيك" , " أصلاً مو على مزاجك غصب عليك راح تسمعين لي " , أشياء تهيئني نفسياً لاستقبال نوع من الحديث المطول والذي يصل إلى ساعة أو ساعتين دون أن نشعر , كلام يوضح لي الحاجة الملحة في الحديث وأهميته وأي نوع وأي طريق سيسلك "شكوى / صراخ / مجرد ثرثرة / أحلام وتخيلات / عتاب وشد شعر " .


المرة هذه مختلفة جداً , صوتها بدا مخنوقاً لدرجة رهيبة , الرجفة على شفاهها أرعبتني , وبي من الوجع ما يكفي ويفيض ولا أملك القدرة على صم أذني أو حجم قلبي عنها وهي بالذات ..
ويطول صمتي في حديثها ..


أتعلمين أن البرد هذه السنة قدم باكراً , هو جاء أكيد ليشعرني بحجم الوحدة التي تخيم فيني ومن حولي , فقط ليجمد كل محاولاتي في البحث عن الدفء وإشعال كل أنواع الرتابة والروتين , ليهش الصقيع على القليل مما بقي لدي من أحاسيس جميلة ومشاعر صادقة فتنكمش حول نفسها و يتضائل حجمها بل تتلاشى , الكون هذا كله يتشابه الآن في نظري بدائرة تطوق عنقي وتضيق , وخريطة الحياة عبارة عن نقطة بحجم جبل تجثم على صدري وليتني أمتلك الموت..


أعلم أنه لا يستحقني , وأدرك أني لم أعد أحاول أفهمه وكلانا يعلم أن حياتنا بدأت من النهاية معاً وأن وجودنا فقط إكمال لمسرحية بدأها الكثيرون قبلنا , ورسمها الأجداد وأجدادهم قبلاً منا , حاولت مراراً ولم يحاول مرة واحدة فقط ليمنحني القوة على مواصلة المحاولة أو حتى تمنحني القليل من الدعم , هو لا يحبني أفهم ذلك , لكنني قطعاً أحتاجه ..


كان الجميع يخبرني بمدى غبائي وأن الحب الذي أحلم به هو ضرب من الجنون وقد يكون من الردة في شيء , أخبروني كثيراً أن الحياة معقدة وساخطة وفي كل يوم الدنيا تسود أكثر وأن الماضي هو أجمل شيء فينا وأصدق مرحلة عبرنا بها , أن الطفولة هي فقط الشيء الوحيد الذي كان بألوان وفرح , أن الأشياء الثمينة لا تتكرر , يصرون على أن استبشاري وكل فألي مصيره التهشم "الأحلام الكبيرة لا تقع إلا على رؤوسنا " , يكررون طيلة سنوات عمري حديثهم في محاولات جادة لتغيير قناعاتي و إحالتي من أنثى تلتهب إلى أنثى من جليد , يصرون على تقليم رؤوس نبضي لأنه تجاوز المسموح به وأصبح ضاراً بالبيئة الإنسانية ..


أي بيئة إنسانية يقصدون , أنا لا أرى سوى خرابه أو كارثة إنسانية إن صح التعبير , لا أفهم في الفلسفة كثيراً لكن أشعر أنهم يخادعون كما هم دوماً ..


كنت تعلمين شعوري جيداً ليلة زفافي , حتى لو كنت مريضة بالخجل لكن بصدق حينها كدت أطير , في ابتسامتي تلك حشرت الكثير من ضحكاتي المجنونة ورقصات الفرح وقفزة في السماء , خطوات شعرت أني امتلك العالم بين كفي وأن السماوات السبع تقطن صدري , أن كل جمال الصوت يدندن حول أذني "عصافير / زخة مطر / خرير ماء / حتى أني سمعت قوس قزح , فرح الكون في تلك اللحظة كان يطوف حولي , كان الشعور بالجنة , ليغلق علينا القفص تاركاً كل الأشياء الجميلة التي سارت معي تنتظر بالخارج فقط ولا نلمسها..


بت أكره أن أخبره أن علينا التحدث وأني أريده في موضوع وأن هناك شعور بائس في داخلي بدا يتمدد , يرميني بالهوس و الاختلال العقلي و لا يمل يكرر البيئة هي من صنعت فينا هذا الجمود "ونسي أني من نفس البيئة أو أسوأ " لكنني فقط أجلت حلمي معه و عاشه هو مع أخريات غيري ربما..


كلمة تمزق والله ما عادت تجمع الشعور في ذاتي , خاصة عندما يصرخ " أنت اش ناقصك / لبس ومن أحسن مايكون وبيت وخادمة وكل طلباتك مجابه " وأتلعثم أن أخبره "ينقصني أنت" .


أعرف أن حديثي بائس ويشبه العتمة ويسدل ألف ستار واختناق , لكنني لا أقاوم أن أبثك شكواي ليقيني أنك آخر من يشعر أو يشيل هم أو حتى يحس , أنتِ كائن ضد الشعور أو بلا شعور , على درجة تجمد عالية , هنيئاً لك " وتضحك علي* ..


عجباً " أظن كمية الحزن انقلبت إلى شرشحة لي وصمتي فُسر بالضعف , لكن الشرهه مو عليك على اللي يضيع ساعة من وقته على مكالمة زي وجهك " وفيني يقين أن أسهل طريقة للخروج من الجو الكئيب هي توليد طاقة من السب والشتم والدفاع لنغلق الهاتف على خير ..


وأعود في صمتي مع كمية من الظلمة من حديثها وبقياسات وكم يبلغ حجم وحدتي وهل فعلاً البرد جاء سابق لوقته , إذن هذا يفسر تمسكي بشال الصوف طوال السنة , لتصفع الأفكار في الحائط بطريقة فتحها لباب الغرفة ناسية أن هناك شيء يسمونه خصوصية وأدب وذوق وأن من المنهي عنه ترويع الآمن وأن القلب مضغة بحجم القبضة..


" خالة : بما أنك فاضيه وعاطلة عن كل شيء وفي وقت لاحق ممكن تتعطل كل حواسك عن العمل قلنا نستغل عدم وجودك في المحيط وانحشارك في هذه الغرفة وداخل عزلتك وتسوين لي بحث *نظام الأسرة في الإسلام وأهؤه تكسبين فيني أجر " ويأتي صوتها من بعيد في عشر أو خمسة عشر صفحة وإذا زيادة ما نقول لا " .


ولا تنتظر مني أي جواب كمن هو متيقن من الموافقة مسبقاً تغلق خلفها الباب بنفس الطريقة التي فتحتها لأدرك أن القبضة المضغة استحالت عصفوراً منتوف الريش مبلل وعيناه تلتصق بالأرض , لأعود بنظري إلى المكتب وأرى أكوام أوراق وأبحاث في شتى العلوم / هندسة الحاسب الآلي / الخلايا العصبية / طب التشريح / السنة والشيعة / المرونة وهذا بحث آخر ينظم لسلك الأبحاث المركونة .


.


ينقضي أسبوع على آخر مكالمة هاتفية تلقيتها منها , لا تجيب على كل اتصالاتي ولا ترد على رسائلي , الأمر مريب والقلق بدأ يسيطر علي , الهم يقضمني , هل ممكن أن يصل الأمر إلى الطلاق "لم يكملا السنة بعد " , وأكثر من صلاة ودعاء أن ينقضي الأمر على خير ..
لتأتي رسالتها متأخرة وجداً على قلبي وبسرعة خاطفة النفس * حبيبتي أنا في الشاليه وما في إرسال , محمد الله لا يحرمني منه عاملها مفاجأة وبس ارجع أحكيك *


.


وانتهى كل شيء إلا فيني ..!
وفي داخلي كلمة واحدة فقط " يكــــفي *
.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

السلام عليكم
يصعب فينا أن يتسلل شعور السعادة إلى دواخلنا ، ونستمع لمن هم يتوقعون أنا لدينا حصانة من آلام نولدها نحن ..
يأخذون صدقنا ، ولا يعطون من صدقهم شيئاً ، فالحصانة ما زالت لدينا ..
حقيقة . . ينتابني شعور عظيم ، عندما أشعر أن أناساً لديهم صورة عني هكذا ..
وأنا متأكد بأن طاقتي الاستيعابية في يوم ما ، ستقول لي أيضاً : " يكفي " .
تحياتي :
أمانة قلم

نون ! يقول...

"قرأت عبارة في مكان ما , كن لطيفاً مع الآخرين فكل شخص هو خاضع لحرب ما * بتصرف ..

.

ثق أنها ستقول يكفي حتى لك , فلا تستنزفها أكثر ..

.

أهلاً بك..

.