على أساس أنه هناك بلد من أصله *
"
رتِّب حاجياته , جهز حبره ودواته , ودَّع أهله , صلَّى ركعتين وارتحل , من بلد إلى بلد , ومن إقليم لآخر , يبحث عن العلم , العلم على أصوله وعن آخره , قرأ / درس / حفظ / كتب , و لم تكن الكتابة لديه لمجرد العبث , أو للوصول , أو لشهرة , كانت عن علم وله وفيه وبه , وكما جاء في ذلك الزمن , وكما جرت العادة فيه , قرأ / درس / حفظ / كتب , فكانت الكتابة آخر مراحل التعلم , وعلى القمة في الهرم التعليمي , وبذلك ستجد أن الكتب منذ القدم وإلى عصرنا الحالي محتفظة بقيمتها , بجلالتها وهيبتها , لم تنقص من قدرها السنوات ولم يقلل من قيمتها الغبار , ستعرف أثناء القراءة والتصفح لورق بردي أو صفحات قديمة وبالية , أنك تقرأ عمر بأكمله , وسنوات ورحلات , سنتين ثلاث , غياب وعودة , ستجد أن دفتين حملت في بطنها كنزاً ..
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ *
"
وبما أن على قدر أهل العزم تأتي العزائم , وبناء على الكسل العام , وعلى الخمول الطافح , على كثرة الأشياء المقلدة والمستهلكة , لانت لنا التكنولوجيا عن سابقينا أكثر, وتمددت وتوسعت , وتكاثرت , وتطورت العلوم وتفجرت , وناس تقدمت وناس تأخرت , وعلى فكرة تقدم ناس وتأخر ناس لا يرفع ولا يخفض من قيمة ناس , فمن البديهي جداً أن يكون هناك آخرين يراقبون سابقين ويدققون في أمورهم ويناقشون أخطائهم ويعدونها عليهم , ويقومون بالتقييم للأمور بفظاعة , فإن أحسنوا كان الفضل لمراقبتنا , وإن أساؤوا فهناك مجال مفتوح للثرثرة وممارسة المثالية بغباء ..
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا , فلولاها لما سرنا في حفريات المنتديات , ولا تعثرنا في حجر مدونة هنا, فسقطنا في غياهب صفحة كتاب فيس ولا توصلنا لسلالم فلكر , لما انطلقنا في عوالم الماسنجر نتلون , و لبقينا في عالم ضيَّق محدود باهت , ومن جرف لدحديرة ياقلبي كافي تحزن..
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا وجداً , فلولاها لما أتحفتنا المجلات بالموضة , والعروض بالأزياء , و الفوتوشوب بالتحسينات البديعية , وعالم حواء بكتب الطبخ للسعودية نسخه ونسخه مترجمة لـ(الأندونيسيه) , السبورة المضيئة والقلم المضيء والمسَّاحة المضيئة , المفرش / الأبجورة / الدعاسة / العلاًقة المضيئة , وكأنها دليل داحض على كمية العتمة في عش الزوجية , لبقينا فرادى من غير تجمع المغتربات / تجمع البنات / تجمع المخطوبات / تجمع اللي على وش جوازه / الزوجات / الوالدات / المرضعات / المتعبات ‘المنهكات‘المعذبات / ثم انتقلت إلى رحمة الله , ولظننا أن الحياة أبسط مما يعدَّون , والزواج أحلى مما يكون , لبقيت الأشياء من غير تعقيد وتدقيق ...
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا فعلاً , فلولاها لما حاولت إحدانا أن تكون عاشقة كغادة أخرى , ومتفردة كمي زيادة , وبحرية وجرأة أحلام , وفي حزن كاتبة وشجن شاعرة وروح خاطرة , لتتمدد والأفق أضيق مما تعتقد , حتى تكاد تموت أو تختنق , تحاول تعود لطبيعتها لكن طبيعتها غادرتها , فتبقى على حافة الأشياء ولا تبلغها ..
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا , فلولاها لما عرفنا ليبرالي ومتزمت , وأن في هذا الكون المتقن ثمَّة ملحد , و لبقينا حارة تتكرر في مسجدها الوجوه ذاتها , صبحها ومساؤها , الصغير والكبير , وحاجات بسيطة في قائمة الدعاء , كـ" اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " , لاحتفظت اللحية بروحانيتها وقدسيتها , لبقي للفتوى مكانتها وهيبتها , وعُرف الداشر والنص نص والخربان والمنتهي ..
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا , فهي جمعت شمل العيلة حول الماسنجر , ومنحتهم أهداف مشتركة على الفيس بوك , وصقلت آرائهم ومنحت كل فرد منهم شخصيته المتوحدة المنعزلة المتوحشة على مدونة , فليس هناك معنى من إضاعة الوقت كل يوم لتبادل الأحاديث محوطين شاي العصرية , ولاثمَّة أهمية في حلقات الذكر المغربية , وحتى العشاء سيحفظ المايكرويف مواعيده , طازجاً دافئاً لكل فرد ..
فلنكن ممنونين للتكنولوجيا فعلاً , فمن غيرها لما عرفنا أنَّا موتى فعلاً , وأنَّا متعفنين , ولاستمررنا في محاولات مستميتة للعيش , لكانت كل واحدة منَّا لا تزال على اعتقاد أن أباها هو ثاني أهم رجل في العالم على اعتبار أكيد أن زوجها سيكون الأول , لظلَّلت الأفكار الغبية لكل رجل وأن زوجته هي أجمل امرأة في الكون , لاحتفظت الطفولة بحريتها دون قيد و تقليد , وعاشت الأحلام , وعمَّ الرضا , واستراحت الضمائر , وقصرت الطموحات حد المعقول وترفع الناس ووصلوا لها ..
إنها تمنحنا أشعة مقطعيًّة لوطن يسكننا ولا نسكنه , هنا عيوب , هنا أمراض , هنا جزء يستوجب البتر , هنا أشياء لا ترحم , وهناك طمع ولهط , خيانة ونهب , غش وخديعة , وفوق ناس تعيش وناس عايشه تحت , عالم حيَّة وعالم شبه , ناس تموت مرة وناس مليون , كيف يكون في جسد تخمة وجوع , بشر تعيش حرية وبشر خوف ولوع ..
والبركة في البوتوث !
لكن اللي في صالحنا ..
أنه ما عاد " لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ " لها وجود , فتشكلت وتبدلت وصار ممكن في لمحة تكون مشهور , في غمضة عين على وجه المجد وفي لمحة أسفله , عصر السرعة إحنا يا عالم , و " لن تبلغ المجد حتى تلقط الكاميرا / لن تبلغ المجد حتى تلقط الخبرَ / لن تبلغ المجد حتى تموت قهرَ , المهم حاجة تكون غير الصبر .
*
يا بلد المليون بلوتوث ..
صوَّر ..}
بلد مليون عاطل ..
بلد مليون غريق ..
أسهم ومليون حرامي ..
صاحي ومليون مجنون ..
جدة و مليون لبناني ..
حُر ومليون قيد ..
المليون مديون !
صوَّر ..{
*
أكشن ..
*ياناس أنا حبه وموت في حبه عاشق ومغرم به عاشق ومغرم به , آه منه منه منه ..*
ويضحك الجميع وتحزن أنا , اللي صوره من غير قلب , كيف لو خرج هذا الطفل من حدوده الضيَّقة يوماً ما , من بيئته البسيطة لكون معقد , ماذا سيحمل في صدره للبشرية , ماذا ستحمل له معاني الطفولة , كيف سينهش صدره الشعور بالاستغلال , هل سيعتبر الأمر مجرد مزحة وانتهت , البلوتوث مجرد مرحلة وعدت , هل سيضحك عندما يشاهده في كبره أم سيبكي , سيفرح أم يحزن , سيقبل على المستقبل بثقة أم يحجم ..
*
هيه أنت "
بشغل البلوتوث وحاول ترسلي وطن لسا ماكبر ..
أحلام كبيرة ماصغرت..
حياة نقيَّة ماتكدرت "
مشاعر صافية ماتلطخت ..
أماني كثيرة باقي ماختفت "
ضحكة لسا على طبيعتها ما تشكلت وتصنعت ..
وفاء / إخلاص / ثقة ..
أهل / أحباب / أصحاب ..
ذكريات من غير حنين ..
حاول !
"
لكنك أنت ضمن الأجهزة المحظورة !
.